منظور عالمي قصص إنسانية

الأمم المتحدة: لا يمكن محو أهوال الماضي، لكن قرار حبس الجنرال الصربي ملاديتش يوفر بعض تدابير الإنصاف

المتهم راتكو ملاديتش، مجرم الحرب الصربي البوسني، يمثل أمام آلية تصريف الأعمال المتبقية لدائرة الاستئناف في المحاكم الجنائية في لاهاي
UN-IRMCT/Leslie Hondebrink-Hermer
المتهم راتكو ملاديتش، مجرم الحرب الصربي البوسني، يمثل أمام آلية تصريف الأعمال المتبقية لدائرة الاستئناف في المحاكم الجنائية في لاهاي

الأمم المتحدة: لا يمكن محو أهوال الماضي، لكن قرار حبس الجنرال الصربي ملاديتش يوفر بعض تدابير الإنصاف

القانون ومنع الجريمة

رحبت الأمم المتحدة بقرار المحكمة الدولية تأييد الحكم بالسجن مدى الحياة على الجنرال الصربي، راتكو ملاديتش، بتهمة ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في تسعينيات القرن الماضي.

وصدر القرار عن الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين – وهي محكمة دولية تتكون من فرعين، أنشأها مجلس الأمن في عام 2010.

وقد رفضت آلية المحكمة الدولية يوم الثلاثاء الاستئناف الذي قدمه ملاديتش بعد إدانته في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وبذلك تأكيد مسؤوليته عن جريمة الإبادة ودوره في مذبحة سريبرينتسا في تموز/يوليو 1995، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في جميع أنحاء البوسنة والهرسك في التسعينيات.

وفي بيان منسوب للمتحدث باسمه، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن هذه خطوة مهمة أخرى باتجاه التصالح مع الماضي لبناء نظام أكثر مرونة وأمانا وأملا لجميع مواطني وسكان البوسنة والهرسك والمنطقة بأسرها.

وأضاف البيان: "الأمين العام يعرب عن حزنه لفقد الضحايا وتعاطفه مع الناجين وأسرهم الذين عانوا من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات القوانين أو أعراف الحرب، والتي أُدين بها السيد راتكو ملاديتش".

ودعا الأمين العام كل من هم في مراكز القوة إلى الامتناع عن إنكار خطورة الجرائم التي تم الفصل فيها، مشيرا إلى أن المساءلة تُعتبر خطوة مهمة للمصالحة في المنطقة.

وأضاف أن الحكم النهائي في قضية ملاديتش، وهو واحد من كبار المسؤولين الذين يحاكمون أمام محكمة الجريمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة والآلية الدولية لتصريف الأعمال، يعكس التزام المجتمع الدولي بالعدالة الجنائية الدولية ومحاربة الإفلات من العقاب.

كما أعرب الأمين العام عن تقديره العميق للعمل الدؤوب والشاق للقضاة والطواقم التي عملت منذ عام 1995 على هذه القضية، عندما تم تقديم طلب الإدانة الأول. وقال الأمين العام: "نبقى ملتزمين بشكل كامل لدعم الجهود لتحقيق المساءلة والعدالة للجميع".

بعد سنوات تتحقق العدالة

وفي بيان مشترك، رحبت كل من مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، ومستشارة الأمين العام الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، أليس ويريمو نديريتو، بقرار تأييد إدانة راتكو ملاديتش.

وقالت باشيليت: "يسلط حكم الآلية الضوء على تصميم نظام العدالة الدولي على ضمان المساءلة بصرف النظر عن المدة التي قد تستغرقها –  قضية ملاديتش – بعد ما يقرب من ثلاثة عقود على ارتكاب جرائمه المروعة". 

وقالت نديريتو إن قرار تأييد إدانة ملاديتش من قبل المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وكذلك الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، يوفر اليقين التاريخي والغاية النهائية للضحايا والناجين، وأضافت تقول: "إن الحكم أيضا يبعث برسالة بالغة الأهمية في جميع أنحاء غرب البلقان حيث نرى أن إنكار الإبادة وتمجيد المجرمين المدانين مثل ملاديتش لا يتواصل فحسب، بل ويتزايد".

تمجيد المجرمين 

بعد هذه السنوات، لا يزال ملاديتش يُعتبر "بطلا" في نظر العديد من الصرب البوسنة. ويتواصل وضع الشعارات والكتابات على الجدران واللوحات وغيرها من المواد التي تمجّد مجرمي الحرب في مدن مختلفة في البوسنة والهرسك.

وحثت المسؤولتان الأمميتان جميع المسؤولين والمؤسسات الإعلامية في المنطقة على الامتناع عن الخطاب التعديلي، والخطاب المثير للانقسام والتحريض على الكراهية، والإدانة المنهجية لأي أقوال أو أفعال تؤدي إلى تفاقم التوترات بين المجتمعات والدول.

وقالت باشيليت: "إن جرائم ملاديتش كانت ذروة الكراهية المقيتة التي تأججت بهدف تحقيق مكاسب سياسية. قرار اليوم يتعلق بمسؤوليته الفردية عن أفعاله المروعة، وليس حول العقاب الجماعي أو تحميل مجتمع معين الذنب". 

وأضافت تقول "أحث الحكومات والمسؤولين المنتخبين والحكوميين على السعي بجهد لتحقيق العدالة لجميع الضحايا والناجين من الحروب في يوغوسلافيا السابقة، وتخفيف – بدلا من مفاقمة – الجروح المفتوحة في المنطقة وتعزيز المصالحة والسلام الدائم. فقط من خلال معالجة الماضي بأمانة يمكن لبلد ما أن يسعى لخلق مستقبل شامل وبناء مؤسسات خاضعة للمساءلة لجميع مواطنيها". 

على الرغم من أن شيئا لا يمكن أن يمحو أهوال الماضي، يوفر قرار الآلية بعض تدابير الإنصاف. وقالت نديريتو: "العدالة وحدها لن تؤدي إلى المصالحة، لكن لا يمكن أن تكون هناك مصالحة حقيقية بدون عدالة. لهذا السبب، تعد المساءلة خطوة مهمة على طريق المصالحة، وبالتالي (تُعد) عنصرا حاسما للوقاية".