منظور عالمي قصص إنسانية

برئاسة تونس، مجلس الأمن يبحث التضامن الدولي لمواجهة الإرهاب

(من الأرشيف) بقايا سيارة منفجرة في العاصمة الصومالية مقديشو.
UN Photo/Stuart Price
(من الأرشيف) بقايا سيارة منفجرة في العاصمة الصومالية مقديشو.

برئاسة تونس، مجلس الأمن يبحث التضامن الدولي لمواجهة الإرهاب

السلم والأمن

قبل 20 عاما اتخذ مجلس الأمن خطوة تاريخية للتصدي لتهديد الإرهاب على السلم والأمن الدوليين عبر اعتماد قرار 1373 (2001) بعد الاعتداء الإرهابي في الولايات المتحدة الأميركية في 11 أيلول/سبتمبر الذي راح ضحيته حوالي 3,000 شخص من 90 دولة. لكن منذ ذلك الوقت استمر التهديد الإرهابي العالمي في التطور بشكل ملحوظ، وظهرت مجموعات إرهابية جديدة، من بينها تنظيم داعش والجماعات التابعة له.

وبموجب قرار مجلس الأمن 1373 (2001) أُنشئت لجنة مكافحة الإرهاب. وخلال العشرين عاما الماضية، زادت قدرات التنظيمات الإرهابية على توسيع شبكاتها على الأرض وعبر الإنترنت، وقدراتها المالية واستخدامها لأساليب متطورة للتجنيد والتمويل والتخطيط والتكيّف مع آليات مكافحة الإرهاب الدولية والوطنية.

برئاسة وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، الذي ترأس بلاه مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الحالي، عقد المجلس صباح يوم الثلاثاء (بتوقيت نيويورك) اجتماعا افتراضيا على مستوىً وزاري، لتقييم التقدم المحرز في إنشاء الأطر القانونية والمؤسساتية اللازمة المتعلقة بمنع ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، مع تسليط الضوء على الفجوات والتحديات القائمة المحتملة فيما يتعلق بالتعاون الدولي.

القاعدة صامدة وداعش على الإنترنت

في جلسة مجلس الأمن أشار مسؤولو الأمم المتحدة إلى أن تنظيم القاعدة أثبت قدرته على الاستمرار على الرغم من خسارته لعدد من قادته، وباشر إلى اعتماد نموذج خطير عابر للحدود يستغل النزاعات وأوجه الضعف المحلية للانتشار إقليميا.

أما تنظيم داعش، ففي السنوات الأخيرة، ظهر أنصاره في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وفي  الساحل(أفريقيا) وحوض بحيرة تشاد وجنوب وشرق أفريقيا. وتمكن التنظيم من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الدعم وتجنيد الأنصار حول العالم، مما أدّى إلى بروز آفة المقاتلين الإرهابيين الأجانب بشكل غير مسبوق.

 

هُزمت تطلعات داعش وطموحاته في ضمّ أراضٍ إضافية في العراق وسوريا. ولكنه لا يزال يشكل تهديدا في المنطقة -- فلاديمير فورونكوف

وفي كلمته الافتراضية أمام مجلس الأمن، قال فلاديمير فورونكوف، وكيل الأمين العام ورئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب: "هزمت تطلعات داعش وطموحاته في ضمّ أراضٍ إضافية في العراق وسوريا. ولكنه لا يزال يشكل تهديدا في المنطقة ويقوم بشن اعتداءات وتعزيز قدراته".

ويشير المسؤول الأممي إلى أن التحدي الأساسي يكمن في ضمان المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش لا سيّما ضد النساء والأطفال والفئات الأكثر هشاشة.

التأهب ضروري

بحسب السيّد فورونكوف، أثبتت الأنشطة الإرهابية ضرورة البقاء على استعداد لأن التهديدات لا تزال حقيقية ومباشرة على العديد من الدول، وقد استغلّ الإرهابيون أوجه الضعف التي تسببت بها جائحة كـوفيد-19 وأصبح التهديد أصعب مع ازدياد وتيرة الاعتداءات التي تشنها الذئاب المنفردة.

وتابع يقول: "يتكيّف الإرهابيون بشكل سريع اليوم، وتجذب تكتيكاتهم مجموعات جديدة من مختلف الإيديولوجيات بما في ذلك المجموعات الإثنية والعرقية والسياسية.. وسلطت جائحة كورونا الضوء على هذه التوجهات وأخضعت التعاون والتضامن الدولي لاختبار كبير".

وأشار إلى أن إنقاذ الناس من الإرهاب تماما مثل إنقاذهم من الأمراض.

من الأرشيف: تعرض مدينة سنجار في كردستان العراق للنهب من قبل مقاتلي داعش عندما سيطرت عليها المجموعة الإرهابية.
UNOCHA/Giles Clarke
من الأرشيف: تعرضت مدينة سنجار في كردستان العراق للنهب من قبل مقاتلي داعش أثناء سيطرتهم عليها by UNOCHA/Giles Clarke

الحاجة الملحة للتضامن الدولي

شدد فلاديمير فورونكوف على أهمية التضامن والتعاون الملموس وبناء القدرات المُحدِثة للأثر في مكافحة الإرهاب، ودعا إلى تجديد الالتزام للتصدي للعوامل التي تسمح للإرهاب بالبقاء والانتشار.

وأكد على ضرورة إشراك الشباب ومنظمات المجتمع المدني بشكل أفضل إضافة إلى القطاع الخاص والمجتمع العلمي في القتال ضد الإرهاب.

وقال: "في وجه هذه التهديدات وفّر المجلس زخما مهما لتثبت الدول الأعضاء وحدتها في العمل والهدف لتعزز جهودها الوطنية والتعاون الدولي".

انتشار الجناح اليميني المتطرف "يثير القلق"

باعتماد قرار 1373، أنشأ مجلس الأمن لجنة مكافحة الإرهاب لرصد تنفيذ أحكام القرار والترويج لها وتيسيرها. وفي قرار مجلس الأمن 1535 (2004) أنشأ المجلس المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب والتي كانت بمثابة بعثة سياسة خاصة لمساعدة اللجنة في عملها.

وقالت ميشيل كونيكس، مساعدة الأمين العام والمديرة التنفيذية للمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، إنه على مدار العقدين الماضيين كانت الأمم المتحدة في صميم الجهود متعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتجلياته.

وأضافت تقول: "سيمثل الإرث المدمر لداعش تحديا بينما نسعى للحصول على الحقيقة والعدالة للضحايا والناجين وكذلك التصدي لحالات آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب المرتبطين بداعش وأفراد أسرهم".

وتطرقت مساعدة الأمين العام لمسألة انتشار إرهاب الجناح اليميني المتطرف أو المدفوع بعوامل عرقية وعنصرية بوصفه يثير قلقا بالغا، وقالت: "إن مكافحة استخدام المجموعات الإرهابية للإنترنت والمنصات الافتراضية الأخرى من أجل التجنيد أو التمويل أو التخطيط لا يزال من أولوياتنا، بالإضافة إلى مكافحة تمويل الإرهاب".

تحذير من انتهاكات لحقوق الإنسان

وتشمل التدابير التي تنفذها المديرية مساعدة الدول الأعضاء على تنفيذ البنود الواردة في القرار، وتيسير تقديم المساعدة التقنية والخبرات للدول حسب الاقتضاء لتعزيز قدراتها.

وحذرت ميشيل كونينغس من قيام بعض الدول بطرح تشريعات وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب تؤدي إلى حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان وقمع للمعارضين.

ودعت إلى ضمان أن تحترم سياسات مكافحة الإرهاب المستقبلية سيادة القانون وتمتثل لحقوق الإنسان وأن تراعي البُعد الجنساني.

تونس تشارك في صياغة القرار

قال وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي، الذي رأس الجلسة، إن قرار 1373 مثّل نقطة تحوّل تاريخي في تعاطي الدول مع ظاهرة الإرهاب. وأضاف "وقد كان لتونس ولي شخصيا شرف المشاركة في صياغة القرار".

وزير الشؤون الخارجية التونسي يحذر من استغلال الإرهابيين للتداعيات المترتبة على كوفيد-19

وأشار إلى أن إحياء الذكرى يكتسي برمزية خاصة لأنه يمثل احتفاء بما حققه المجتمع الدولي من توافق حول مفهوم الإرهاب: "نستذكر في هذا المقام الجهود المقدّرة التي بذلها كافة أعضاء مجلس الأمن عام 2001 لاعتماد هذا القرار الذي أصبح اليوم مرجعية في مجال العمل متعدد الأطراف لمكافحة جميع أشكال الإرهاب".
وأكد الوزير التونسي أن القرار عكس الوحي الجماعي للمجموعة الدولية لما يمثله الإرهاب من تهديد جدي للأمن والسلم الدوليين، كما أنه مثّل اللبنة الأولى للجهود الدولية للتصدي للإرهاب بكافة أشكاله وأسس للمنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب من خلال إنشائه للجنة مكافحة الإرهاب التي ساهمت مع مديرته التنفيذية في دعم قدرة الدول على مجابهة هذه الظاهرة الإجرامية الدولية المعقدة ومواكبة تطوراتها وأشكالها.

مكافحة الإرهاب مع احترام حقوق الإنسان

أكد السيّد عثمان الجرندي أن تونس تحرص على الانخراط الفعلي في مختلف الآليات والتحالفات العالمية والإقليمية لمكافحة هذه الظاهرة والتعاون الأمني وتبادل المعلومات على غرار التحالف الدولي ضد داعش وشراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الهادفة إلى تعزيز القدرات الإقليمية ورفع مستوى التعاون بين منطقة الساحل وبلدان شمال أفريقيا في محاربة هذه الآفة.
وتابع الوزير التونسي يقول: "لقد سعت تونس طيلة السنوات التي تلت ثورة الحرية والكرامة وفي إطار حرصها على تعزيز التزامها بالمواثيق الدولية إلى موائمة تشريعاتها في الإطار القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب من خلال سن قانون جديد سنة 2015 متطابق مع جميع الصكوك الدولية وقرارات مجلس الأمن في مجالات مكافحة الإرهاب في كنف الالتزام باحترام حقوق الإنسان من خلال أحكام معروفة وتعريفات دقيقة للجريمة".
ورغم كل هذه الجهود الأممية والدولية والإقليمية والوطنية، حذر المسؤول التونسي من أن خطر الإرهاب وتهديداته، مازال قائما في مختلف أرجاء العالم: "بل إن التنظيمات الإرهابية تسعى لاستغلال التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على جائحة كوفيد-19 لرفع نسق أنشطتها الهدّامة ورفع فكرها المدمر واستقطاب المزيد من الفئات المهمشة والهشة خاصة عبر وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي".

6 توصيات تونسية لتعزيز مكافحة الإرهاب

وعرض الوزير عثمان الجرندي على مجلس الأمن أفكارا وتوصيات للاستفادة من دروس الماضي ومواجهة التحديات الطارئة:

  • أولا: حتمية ألا يتسبب حشد الموارد المالية والبشرية على المستويين الوطني والدولي لمجابهة تأثيرات جائحة كوفيد-19 في تراجع الموارد المخصصة لمكافحة الإرهاب. بل على العكس، أكد الوزير التونسي ضرورة تعزيز جهود مكافحة الإرهاب حتى لا تعود الجائحة بالنفع على المجموعات الإرهابية فضلا عن أهمية بقاء مكافحة الإرهاب على رأس الأولويات الدولية والوطنية رغم التحديات التي تفرضها جائحة كورونا.
  • ثانيا: اعتماد مقاربة شاملة تقوم على تعزيز البُعد الوقائي وعلى معالجة الظروف والعوامل المؤدية إلى تغذية نزعات التطرف العنيف والإرهاب بما في ذلك التسوية السلمية للنزاعات خاصة تلك التي طال أمدها، ودعم ثقافة الحوار وقيم التسامح والاعتدال ودفع مسارات التنمية المستدامة وتحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على الفساد وكل مظاهر التهميش والإقصاء وتكريس علوية القانون وحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
  • ثالثا: التخلي الصريح عن الخطاب السياسي والابتعاد عن ربط الإرهاب والتطرف بأي انتماء ديني أو عرقي أو قومي، لأن ذلك مجانب للحقيقة، ويكرّس شعور فئات من الإنسانية بالغُبن ويتيح للفكر والمجموعات الإرهابية أرضية خصبة للنمو والاستقطاب. 
  • رابعا، التسليم بأن الحكومات لن تقدر فرادى على التصدي للخطاب والتحركات الإرهابية على الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وما يعنيه ذلك من ضرورة إقامة شراكة فعلية وعملية مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والقطاعات الإقليمية والوطنية والدولية.
  • خامسا، جعل مكافحة الإرهاب قضية وطنية في المقام الأول، وحشد كافة قطاعات المجتمع لدعم جهود الحكومة وأجهزتها في كنف الاحترام التام لحقوق الإنسان حتى يظهر الصراع مع الحركات الإرهابية على حقيقته، أي أنه صراع بينها وبين المجتمع برمته.
  • سادسا، مساعدة الحكومات على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها الأساسية ومتطلبات العيش الكريم لحرمان الجماعات الإرهابية والمتطرفة من فرص الاستقطاب.

وجدد الجرندي عزم تونس على مواصلة العمل في إطار عضويتها في مجلس الأمن ورئاستها للجنة مكافحة الإرهاب على تعزيز التعاون بين المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وبقية الأطراف الأممية المعنية خاصة من خلال الاستحقاقات القادمة خلال هذه السنة، ومن أبرزها مراجعة الاستراتيجية الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وتجديد ولاية المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب.