منظور عالمي قصص إنسانية

التحديات التي يواجهها صون السلام والأمن الدوليين على طاولة مجلس الأمن الذي ترأسه تونس هذا الشهر

لقي خمسة من حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة حتفهم أثناء أداء واجبهم، وقد تم إحياء ذكراهم مؤخرا في جمهورية أفريقيا الوسطى في حفل تأبين أقيم في بانغي.
MINUSCA/Leonel Grothe
لقي خمسة من حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة حتفهم أثناء أداء واجبهم، وقد تم إحياء ذكراهم مؤخرا في جمهورية أفريقيا الوسطى في حفل تأبين أقيم في بانغي.

التحديات التي يواجهها صون السلام والأمن الدوليين على طاولة مجلس الأمن الذي ترأسه تونس هذا الشهر

السلم والأمن

قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن واحدا من بين كل خمسة أشخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مقربة شديدة من نزاع كبير، مشيرا إلى تضاعف الاحتياجات الإنسانية نتيجة لذلك، ووصولها لأعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية.

 

جاء ذلك خلال الكلمة الافتراضية التي ألقاها الأمين العام أمام اجتماع مفتوح لمجلس الأمن لمناقشة "التحديات التي يواجهها صون السلام والأمن في السياقات الهشة" برئاسة دولة تونس التي ترأس مجلس الأمن لهذا الشهر. وقال إن الهشاشة والصراع من أكبر العقبات التي تعترض تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وإن معالجة تلك الروابط بين الهشاشة والصراع عنصر أساسي للسلم والأمن الدوليين.

وقال السيّد أنطونيو غوتيريش إنه حتى قبل جائحة كـوفيد-19، كانت الأوضاع تتدهور: "أصبحت النزاعات أكثر تعقيدا، يغذيها التوجه نحو الإقليمية وانتشار الجماعات المسلحة غير التابعة للدول، وارتباطها بالمصالح الإجرامية والمتطرفة".

فوارق اجتماعية وعدم المساواة

أدّت طائفة متنوعة من الضغوط الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية إلى وضع السكان في كثير من المناطق في العالم تحت ضغط كبير مما أدى إلى خطر العنف والصراع.

وقال الأمين العام: "تضاعف عدد الأشخاص المعرّضين لخطر المجاعة. وامتدت آليات إدارة النزاعات الدولية إلى حدّ الانهيار. وقد وضعت هذه الاتجاهات عددا من البلدان في حلقة مفرغة. ولا يزال الصراع يوّلد الفقر ويعزز الهشاشة المؤسسية، مما يقلل بدوره من قدرة هذه المجتمعات على الصمود وآفاق السلام".

الأمين العام أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت تحت عنوان: تحديات صون السلام والأمن في السياقات الهشة. (عبر دائرة تلفزيونية مغلقة)
الأمين العام أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت تحت عنوان: تحديات صون السلام والأمن في السياقات الهشة. (عبر دائرة تلفزيونية مغلقة). by UN Photo/Eskinder Debebe

بحلول عام 2030، يقدّر البنك الدولي أن ثلثي الفقراء المدقعين في العالم سيعيشون في بلدان هشّة أو متأثرة بالصراعات. وأدّت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه الاتجاهات. وفي عام 2020، ولأول مرة منذ 22 عاما، كان الفقر المدقع في ازدياد.

ومن المتوقع أن يؤدي انكماش النشاط الاقتصادي في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع إلى دفع 18 إلى 27 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر.

وعلاوة على ذلك، تتسع فجوة المساواة بين الجنسين، وتراجعت مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى الوراء لعقود، بحسب الأمين العام. كما أن حالة الطوارئ المناخية هي محرك إضافي لانعدام الأمن. وقال الأمين العام: "إذا أردنا كسر حلقة الفقر والصراع، فنحن بحاجة إلى نهج أكثر طموحا يعتمد على مبدأين منصوص عليهما في أهداف التنمية المستدامة".

وأشار السيّد غوتيريش إلى أن النهج الأول هو أجندة 2030 التي تقرّ بأنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية مستدامة بدون سلام ولا سلام بدون تنمية مستدامة. ومن الضروري اتباع نهج شامل لبناء السلام واستدامته، مع استثمارات هادفة ومصممة خصيصا عبر الرابط بين التنمية الإنسانية والسلام.

أما النهج الثاني فهو التضمين، مشيرا إلى ضرورة أن يكون التعهد "بألا يتخلف أحد عن الركب" في صميم الجهود لتعزيز التنمية المستدامة وكذلك منع النزاعات وحلّها.

حفظة سلام من زامبيا يخدمون في مينوسكا ويتحدثون مع السكان المحليين خلال جولة في المنطقة لحماية المدنيين. 5 شباط/فبراير 2020.
UN Photo/Herve Serefio
حفظة سلام من زامبيا يخدمون في مينوسكا ويتحدثون مع السكان المحليين خلال جولة في المنطقة لحماية المدنيين. 5 شباط/فبراير 2020.

القارّة الأفريقية تعاني على وجه الخصوص

يشكل اجتماع مجلس الأمن حول صون السلام والأمن الدوليين فرصة لمناقشة قضايا الهشاشة غير المعالجة - ولاسيّما في أفريقيا – وكيف يمكن أن تؤدي إلى اندلاع دورات جديدة من العنف وإلى تفاقم النزاعات القائمة وإطالة أمدها وتصبح محركات لعدم الاستقرار الإقليمي من خلال تأثيرها غير المباشر.

وقال الأمين العام: "في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل تفاقمت الهشاشة بسبب التهديدات العابرة للحدود مثل تغيّر المناخ والإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وانتشار الجماعات المسلحة".

وقد شارك الأمين العام قبل شهر في رئاسة المؤتمر السنوي الرابع للأمم المتحدة مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي. وقال: "هذا الاجتماع كان فرصة لنا لتحديد سبل دعم مبادرة الاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق، وهو جهد رائد لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات في القارّة، بما في ذلك الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. ودعوتي لوقف إطلاق نار عالمي تسير جنبا إلى جنب مع هذه المبادرة الرائدة".

وقد تقرر إنشاء مجموعة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن تنفيذ أجندة التنمية المستدامة وجدول أعمال 2063، بما في ذلك ما يتعلق بالتعافي من فيروس كورونا.

لا يزال صون السلام والأمن الدوليين يواجه تحديات كبيرة، مما يزيد من صعوبة تحقيق السلام الدائم والأمن المستدام في أجزاء كثيرة من العالم، لاسيّما في السياقات الهشّة.

الهشاشة عائق أمام السلام


وقد تبدو الهشاشة مصدر قلق مجرد. غير أنها في الواقع تشكل عائقا أمام صنع السلام وبنائه. وفي حين أن النزاع العنيف والهشاشة هما قضيتان متمايزتان، فإنهما مرتبطتان بلا شك ارتباطا لا ينفصم ويعزز كل منهما الآخر إلى حد يجعل من غير الفعال معالجة أحدهما دون التصدي للآخر.  
وفي سياق متصل، قال الرئيس التونسي قيس سعيد مترأسا المناقشة المفتوحة في مجلس الأمن "إن فاعلية عمليات بناء السلام تستوجب مساعدة البلدان والشعوب على تثبيت الاستقرار والانتقال التدريجي من سياقات الهشاشة إلى مرحلة التعافي بل إلى مرحلة الحق المشروع والحق في التنمية وفي الرخاء".
وفي كلمته أمام المناقشة التي انعقدت تحت عنوان "التحديات التي يواجهها صون السلام والأمن في السياقات الهشة"، أشار الرئيس قيس سعيد إلى الحاجة لرؤية أشمل لمفهوم السلم تأخذ في الاعتبار تداخل مختلف الممهدات وترابطها وتركّز على توفير الضمانات اللازمة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وذلك من خلال "تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد وتوسيع المشاركة السياسية خاصة بين فئات النساء والشباب".   

UN News
الرئيس التونسي يدعو إلى مساعدة البلدان على تثبيت الاستقرار والانتقال التدريجي إلى مرحلة التعافي

وقف إطلاق نار عالمي


وكما فعل الأمين العام، تطرق الرئيس التونسي أيضا إلى مبادرة "إسكات البنادق في أفريقيا"، قائلا إن الأمم المتحدة بإطارها المؤسسي والعريض ومسؤوليتها، مطالبة بالمساهمة الفاعلة والناجعة في معالجة الأسباب العميقة للهشاشة المهددة للأمن والسلم والمؤدية إلى العنف وتفشي النزاعات. وأشار إلى أن "التكامل بين الجهود الأممية والإقليمية والوطنية في هذا المجال يكتسي بالتأكيد عند الجميع أهمية بالغة".
وفي سياق إسكات البنادق، أكد الرئيس قيس سعيد على أهمية نداء الأمين العام الذي أطلقه في آذار/مارس الماضي والداعي إلى وقف إطلاق نار عالمي للتركيز على جهود دحر جائحة كوفيد-19 التي تهدد العالم أجمع.
ودعا رئيس تونس إلى تعاون دولي في وجه هذا الخطر غير المسبوق:
"ومن هذا المنطلق وفي ظل هذه الأوضاع نجدد دعوتنا إلى مزيد من تعزيز التعاون الدولي في مواجهة هذا التهديد غير المسبوق وفق رؤية تقوم على التضامن الإنساني الحقيقي والتآزر الفاعل وتستوعب كل عوامل تغذية الصراعات وإطالة أمدها، خاصة أن مثل هذه الجوائح لا تعترف بالحدود ولا تستثني أحدا. كما أنها تضع العالم بأسره في سباق مع الزمن، في سياق من الهشاشة ولا يمكن أن نكون في هذا السياق وفي هذا السباق فرادى بل يجب أن نكون أمما متحدة".

تونس ملتزمة بالسلام والتنمية والحقوق المشروعة للشعوب

 
وأكد رئيس مجلس الأمن لشهر كانون الثاني/يناير على حتمية أن تكون اللقاحات والأدوية المحتملة لهذه الجائحة متاحة للجميع، قائلا "لن يكون أحد في مأمن ما لم يكن الجميع في مأمن".
كما دعا كافة أطراف النزاعات في العالم أجمع إلى الامتثال للقرار رقم 2532 الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع في الأول من شهر تموز/يوليو 2020، بمبادرة من تونس وفرنسا، "وهو القرار الذي أنار السبيل للمجموعة الدولية من أجل معالجة هذه الجائحة بالنجاعة المطلوبة"، بحسب تعبيره.
وختم كلمته مؤكدا على التزام تونس بمواصلة خدمة السلام والأمن والتنمية المستدامة من أجل تحقيق التطلعات المشروعة لكل شعوب الأرض، مضيفا:
"ومن بين الحقوق المشروعة التي يجب التذكير بها والتأكيد عليها في كل اجتماع وكل مقام حق الشعب الفلسطيني في أرضه".
 

أرشيف: رئيسة ليبيريا السابقة ألين جونسون سيرليف مع وحدة شرطة نسائية هندية في بعثة الأمم المتحدة في لييريا. شباط/فراير 2016.
أرشيف: رئيسة ليبيريا السابقة ألين جونسون سيرليف مع وحدة شرطة نسائية هندية في بعثة الأمم المتحدة في لييريا. شباط/فراير 2016. by Photo: Emmanuel Tobey/UNMIL

بإمكان النساء إخماد حريق صغير قبل تحوله إلى مشكلة كبيرة

وفي كلمتها ركزت رئيسة ليبيريا السابقة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلين جونسون سيرليف، على أهمية دور حفظة السلام في إحلال الأمن والسلام في الدول خاصة التي تعاني من الصراعات في سياقات هشة. وقالت إن ليبيريا استفادت من حفظة السلام بشكل كبير، مشيرة إلى أهمية التدخل المبكر لأن "الوقاية خير من قنطار علاج" على حدّ تعبيرها.

وأشارت إلى أن قوات حفظ السلام أيضا تكافح اليوم جائحة كوفيد-19، وفي نفس الوقت تدعم السلام وتحتوي الصراعات. وأعربت عن اختلافها مع الدول التي تشكك بنجاعة عمليات حفظ السلام، لكنها أقرّت بالحاجة لتغيير تصميمها، مثلها مثل أي شيء آخر.

وأشادت سيرليف بدور النساء في المجتمع الليبيري، وقالت: "بدون نساء ليبيريا، ما كان لليبيريا أن تنعم بالسلام الآن". وقالت إن بإمكان الأطراف النسوية، خاصة من قوات حفظ السلام، إخماد حريق صغير مشتعل قبل أن يتحول إلى مشكلة كبيرة.

ودعت سيرليف أعضاء مجلس الأمن للمساعدة في إنهاء الحلقة المفرغة من الصراع والتشرد واليأس الذي واجهه الكثيرون لسنوات عديدة. وقالت: "يمكن النظر إلى ما هو أبعد من المصالح الضيّقة والإقرار بأن المجتمعات السلمية والعادلة والشاملة لها منافع أبعد بكثير من حدودها الخاصة".