منظور عالمي قصص إنسانية

الشعاب المرجانية تحتضر بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات وزيادة الحموضة --والعلماء يجدون الحل

الشعاب المرجانية تحيط بجزيرة جوز الهند في هواي حيث أقيم معهد هاواي للبحوث في مجال علم الأحياء البحرية.
UN News/Daniel Dickinson
الشعاب المرجانية تحيط بجزيرة جوز الهند في هواي حيث أقيم معهد هاواي للبحوث في مجال علم الأحياء البحرية.

الشعاب المرجانية تحتضر بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات وزيادة الحموضة --والعلماء يجدون الحل

المناخ والبيئة

تتسبب أزمة المناخ بوفاة الشعاب المرجانية بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر وزيادة الحموضة. لكنّ الأمل معقود على التطور العلمي والتكنولوجي. وإحدى الطرق لإنقاذ الشعب المرجانية هي عبر "الحفظ بالتبريد" وهو أسلوب علمي رائد يعتمد على التخزين في درجات حرارة تنخفض إلى دون الصفر مئوية.

ويطبق معهد هاواي للبيولوجيا البحرية في أرخبيل جزيرة جوز الهند في خليج كانوهي تقنية الحفظ بالتبريد، عبر وضع قطعة صغيرة من المرجان بورقة رقيقة من البلاستيك، وتوضع في خزان في المعهد.

هذا هو جزء من عملية فريدة من نوعها، تشمل الحفظ بالتبريد للحفاظ على الخلايا الحية والأنسجة من الحيوانات المنوية واليرقات لخلق ما يُطلق عليه "كتاب الحياة" للشعاب المرجانية، حيث يقوم علماء الأحياء البحرية الذين يعملون على اليابسة وفي الماء، بجمع الحيوانات المنوية والبيض من الشعاب المرجانية خلال موسم التفريخ السنوي.

تقنيات رائدة

وتقود كبيرة الباحثين في مؤسسة سميسثونيان للحفظ البيولوجي، ماري هيجدورن، فريقا من العلماء في المؤسسة الرائدة بهذه التقنيات.

العالمة ماري هيجدورن في جزيرة جوز الهند في هاواي.
العالمة ماري هيجدورن في جزيرة جوز الهند في هاواي.

وقالت هيجدورن لأخبار الأمم المتحدة إن الحفظ بالتبريد هو مجال جديد نسبيا من العلوم التي برزت في أواخر أربعينيات القرن الماضي، واستُخدمت لأول مرة للحفاظ على الأجنّة البشرية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثمّ البيض في أواخر التسعينيات.

وأضافت:"لقد عملنا على مدى السنوات الـ 16 الماضية على تكييف تلك التقنيات للحفاظ بنجاح على الحيوانات المنوية للشعاب المرجانية ويرقات المرجان لتخزينها في المستودعات الحيوية المجمّدة والمساعدة في استعادة الشعاب المرجانية الآن وإعادة زرع المحيط في المستقبل، نحن حقا نجمع كتاب الحياة للشعاب المرجانية، وهذا مهم".

وتتعرّض الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم للتهديد بسبب تغيّر المناخ، ويقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن ما بين 25 إلى 50% من الشعاب المرجانية في العالم دُمرت وأن 60% أخرى مهددة.

المحيطات الدافئة الحمضية و"الأزمة القلبية" للمرجان

ومع ارتفاع حرارة المحيطات، وزيادة حموضتها، تتعرّض الشعاب المرجانية للتبييض، وتشبّه ماري هيجدورن عملية التبييض بإصابة إنسان بأزمة قلبية. وقالت: "إذا حدث التبييض سنويا فإن الشعاب المرجانية تموت في نهاية المطاف".

العالم البيولوجي جوناثان دالي في معهد هاواي لعلم الأحياء البحرية.
العالم البيولوجي جوناثان دالي في معهد هاواي لعلم الأحياء البحرية.

والشعاب المرجانية هي من الحيوانات التي تشكّل هيكلها العظمي الخاص للمساعدة في دعمها. وتعيش هذه الحيوانات في مياه دافئة ضحلة حول العالم وتعتمد على أشعة الشمس لجمع الطعام القائم على السكر. والشعاب المرجانية ليست مجرد "نظم إيكولوجية جميلة" تشتهر بتنوعها البيولوجي، بحسب العلماء، بل هي مهمة للحياة على كوكب الأرض.

وقالت هيجدورن: "يعيش نحو 25% من جميع الأحياء البحرية على شعاب في مرحلة ما، وبالتالي فإن العديد من أنواع السمك التي نتناولها لن تكون موجودة بدونها، وتوفر الشعاب المرجانية حماية طبيعية لسواحلنا مثلا ضد أمواج تسونامي"، مضيفة أن الشعاب المرجانية أيضا تدعم سبل عيش الناس على شكل صيد الأسماك والسياحة وتسهم بمبلغ 350 مليار دولار سنويا في الاقتصاد العالمي.

البحث العلمي من أجل الأجيال القادمة

يعمل فريق دولي صغير من علماء الأحياء البحرية في المختبر في جزيرة جوز الهند التي تقع فوق الشعاب المرجانية والتي تحيط بالجزيرة أيضا، مما يجعل من الممكن للعلماء جمع عيّنات في قوارب صغيرة أو عن طريق الغطس، كما يسافرون إلى العديد من البلدان الاستوائية في جميع أنحاء العالم للمساعدة في الحفاظ على شعابها المرجانية بما في ذلك في أستراليا وسنغافورة وغيرها.

تنمو الشعاب المرجانية في معهد هاواي لعلم الأحياء البحرية على جزيرة جوز الهند.
تنمو الشعاب المرجانية في معهد هاواي للبحرية البيولوجية على جزيرة جوز الهند.

وفي المؤسسة، يفحص الباحث الأسترالي، جوناثان دالي، الأورام الحميدة والحيوانات المرجانية الفردية تحت المجهر. ويقول: "لدى الشعاب المرجانية دورة سنوية محدودة جدا للتكاثر (بضعة أيام فقط) وبالتالي فهناك نافذة قصيرة جدا لجمع الحيوانات المنوية والبيض في الماء، وجلبها إلى المختبر لحفظها في البرّادات. واليوم يتأثر تكاثر المرجان بشكل كبير جدا بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات".

يقوم العلماء بتخزين المواد التي جمعها الفريق في مستودعات بيولوجية مجمّدة. ومن المأمول أن يتمكن علماء الأحياء البحرية الآخرون في المختبرات في جميع أنحاء العالم في نهاية المطاف من الحفاظ على الشعاب المرجانية في تلك المناطق أيضا، وهذا يعني أنه إذا انقرض أحد الآلاف العديدة من أنواع المرجان الموجودة في جميع أنحاء العالم، فمن المحتمل أن تُعاد زراعته من المستودع الحيوي المجمد.

دور المحيطات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية

وقالت ماري هيجدورن إن ما يقوم العلماء بعمله لا يخدم الوقت الحالي، ولكنه مهم لما بعد 200 أو 500 عام من الآن، وأضافت: "لن أرَ ثمار عملنا في حياتي ولا طلابي ولا حتى طلابهم. ولكننا بدأنا بإدارة العجلة وكعالمة أعرف أننا نقوم بشيء جيد فعلا لكوكبنا". وشددت على أهمية الاستمرار بالعمل حيث تتمتع الشعاب المرجانية الآن بتنوّع وراثي قوي.

وأجريت المقابلة مع هيجدورن وزملائها كجزء من مشروع تصويري يُدعى "الكرامة في العمل" تضطلع به منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وقال كيفين كاسيدي، مدير مكتب منظمة العمل الدولية في الولايات المتحدة: "لقد رأينا بُعد النظر في العمل.. عندما يقوم الصيّاد بصيد السمك لبيعه فهذا يخلق دخلا والمزيد من فرص العمل في الأسواق والمحلات التجارية والمروّجين وعمال النقل والطهاة والنوادل الذين يقدمون الطعام والعمال في المطاعم وسيارات الأجرة، إنها سلسلة اقتصادية تشق طريقها عبر المجتمع".

وحذر كاسيدي من خطر عدم الاعتناء بالثروات البحرية، وقال: "إن تأثير المحيطات التي تموت لن يكون كارثة إيكولوجية فحسب، بل سيتسبب بخسائر بشرية واقتصادية كبيرة".

ويستمر العمل في جزيرة جوز الهند مع سقوط الأمطار الاستوائية، وتشير الأغطية البلاستيكية التي وُضعت في خزانات المياه مع الشعاب المرجانية الفردية إلى أن الحيوانات تنمو بشكل أكبر وأقوى. وفي نهاية المطاف، عندما تكون الظروف مناسبة، يمكن إعادتها إلى المحيط. وعلى المدى الطويل، يمكن للشعاب المرجانية المخزنة الآن في مستودعات بيولوجية مجمّدة أن تعيد إلى الحياة الأنواع التي تقتلها آثار تغيّر المناخ.