منظور عالمي قصص إنسانية

الفيروس القاتل لا يعرف حدودا – وكذلك الموسيقى!

آلة الكمان الموسيقية
Unsplash/Brandon Ong
آلة الكمان الموسيقية

الفيروس القاتل لا يعرف حدودا – وكذلك الموسيقى!

الثقافة والتعليم

يصادف اليوم "اليوم العالمي للفن" في أجندة منظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وعلى الرغم من إغلاق المدن وانعدام الحركة واتخاذ تدابير التباعد الجسدي خلال جائحة كوفيد-19، لا تزال الموسيقى تتخطى وتتحدى كل حدود.

 من ميلانو، إيطاليا، تحدث ألدو سيباستيان سيشيني، عازف على آلة الكمان الموسيقية في أوركسترا الراديو والتلفزيون الإيطالي (RAI)، عن تجربته خلال تفشي كوفيد-19 في إيطاليا. كان يعمل ألدو على مشروع موسيقي في مسرح "ألا سكالا"، وهو واحد من دور الأوبرا الأكثر عراقة في إيطاليا، والذي تم إغلاقه منذ أواخر شباط /فبراي، بعد تأكيد بعض الإصابات بين العاملين فيه. 

وقال ألدو، "كنت أعمل في الأوركسترا. كان لدي عقد لمدة شهرين مع مسرح "ألا سكالا" هنا في ميلانو وكنت أعمل معهم. في أحد الأيام أخبرونا أن هناك حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا داخل المسرح. بدأنا الحجر الصحي وتم إغلاق المسرح قبل 10 أيام من إغلاق البلد بأكمله". 

وأضاف: "أغلقت جميع دور الفنون، بما فيها الأوبرا والسينما والمسرح وكل شيء. كان الجميع في حالة قلق بسبب هذه الإغلاقات، لأنه حتى بالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون بوظيفة ثابتة مثلي، من الصعب التفكير في عملنا كما كنا نفعل من قبل. لأنه في هذه اللحظة، إذا فكرت في أن مسرحا يسع أكثر من 1000 شخص قد تم إغلاقه، فسيصعب على أي شخص استيعاب فكرة الذهاب إلى حفلة موسيقية في ظل هذه الظروف. لذلك نحن قلقون للغاية بشأن شكل الحياة بعد الأزمة التي ستستغرق بضعة أشهر، ولا أعرف ما إذا كانت ستبدو الحياة كما كانت عليه من قبل، يوما ما".

عمل ألدو سيباستيان سيشيني في مسرح "ألا سكالا" قبل تفشي وباء فيروس كورونا
Margherita Bassani
عمل ألدو سيباستيان سيشيني في مسرح "ألا سكالا" قبل تفشي وباء فيروس كورونا

في 13 مارس/آذار، بدأ ألدو بإحياء حفلات موسيقية حية عبر تطبيق الـ "فيسبوك". وفي الوقت نفسه، قام أحد زملائه في الأوركسترا بدعوة كل موسيقي في إيطاليا، لأن يفتح النافذة أو يذهب إلى الشرفة لتقديم عرض موسيقي هناك. ومنذ ذلك الحين، وفي كل يوم في الساعة 6 مساءً، يمكن سماع صوت آلة الكمان من الشرفة في وسط مدينة ميلانو.

الموسيقى ليست علاجا للفيروس، لكنها علاج للقلوب-- ألدو سيباستيان سيشيني، عازف كمان إيطالي

 ألدو لبى الدعوة، وعن ذلك يقول: "خرجت إلى الشرفة، وكانت أمسية باردة جدا. كان الأمر غريبا جدا لأن معظم الجيران لا يعرفون أنني أعزف على الكمان، فأنا أعمل خارج المنزل. بدأت بالعزف، شعرت بخجل كبير في البداية، ولكن بعد دقيقتين من العزف، كان الجميع واقفا في الظلمة، كانوا سعداء للغاية، ويبتسمون. عندما انتهيت من العزف، صفقوا لي بحرارة، وصرخوا وأرادوا أن أعزف لهم المزيد. عزفت لهم قطعتين موسيقيتين ومن ثم ثلاث، ولكنهم أرادوا المزيد والمزيد. أخبرتهم، إذا كنتم تريدون سماع الموسيقى فلنجتمع غدا في نفس الوقت على الشرفات. وتلك كانت البداية".

ألدو سيباستيان سيشيني، عازف الكمان في أوركسترا راي، يعزف على آلة الكمان من على شرفة منزله في ميلانو بإيطاليا بعد تفشي الفيروس في إيطاليا.
Ana Mazzeo
ألدو سيباستيان سيشيني، عازف الكمان في أوركسترا راي، يعزف على آلة الكمان من على شرفة منزله في ميلانو بإيطاليا بعد تفشي الفيروس في إيطاليا.

من على الشرفة، عزف ألدو قطعا موسيقية شهيرة من بلدان مختلفة، مثل "لوف ثيم"، و"سينما باراديسو"، و "كلير دي لون"، و"بور أونا كابيزا"، و"إماجين" لجون لينون، و"فراشة الفراشة" لعازفة الكمان الصينية كونشرتو. على الرغم من أن التأثير الصوتي على الشرفة ليس جيدا كما هو الحال في قاعة الحفلات الموسيقية، إلا أن الموسيقى، وبحسب ألدو، "وفي هذه اللحظة من العزلة، تقرب الناس من بعضهم البعض. هي ليست علاجا للفيروس، لكنها علاج للقلوب".

كان هناك امرأة مسنة. وحيدة. لكن في تلك اللحظة في السادسة مساءً، كان لديها شيء تفعله، إذ كان عزفي من على الشرفة بمثابة موعد لنا --ألدو سيباستيان سيشيني، عازف كمان إيطالي

 وأضاف ألدو بقوله، "أعتقد أنه في أوقات كهذه، الموسيقى وجميع الفنون الأخرى مهمة للغاية، لأن هذا زمن البقاء على قيد الحياة، لكن الحياة ليست مجرد البقاء. إنها مثل جمال الفن وجمال الموسيقى. بطريقة ما، توحدنا كجزء من شيء أكبر منا، وأعتقد أن هذا مهم للغاية".

 وأعرب ألدو عن شعوره بالتقارب مع جيرانه حين قال، "هنا في المبنى الذي أقطن فيه، في كل مرة أعزف فيها وعلى الرغم من المسافة التي بيننا، فقد شعرت بالتقارب مع الجيران. إنه أشبه بشعور بأننا فريق واحد ونمضي قدما معا. هذه هي قوة الموسيقى، يمكنها أن توحد الناس من خلال تلك المقاطع الموسيقية التي أعزفها كل يوم. لقد شعرت أنني بصحبة أناس يعيشون بمفردهم، من بينهم كبار في السن. كان هناك امرأة مسنة. وحيدة. لكن في تلك اللحظة في السادسة مساءً، كان لديها شيء تفعله، إذ كان عزفي من على الشرفة بمثابة موعد لنا ".

 بعد مرافقة ألدو الناس من خلال موسيقاه في ظل هذه الظروف الصعبة مع تفشي الفيروس، يعزف الآن عدة مرات في الأسبوع بدلا من كل يوم. وقال، "على الرغم من أن تاريخ إعادة فتح المدينة لا يزال غير معروف، إلا أنني آمل في أن يكون كل يوم أفضل من الذي فات وأتمنى ألا يستسلم الناس قبل أن يتحسن يومهم".