منظور عالمي قصص إنسانية

من منظور أسرة ميسورة الحال، كيف تبدو الحياة في غزة؟

نجلاء وجاسم الشوا في منزلهما في حي الرمال بقطاع غزة. نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
UN News/Reem Abaza
نجلاء وجاسم الشوا في منزلهما في حي الرمال بقطاع غزة. نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

من منظور أسرة ميسورة الحال، كيف تبدو الحياة في غزة؟

السلم والأمن

في منزل أنيق حديث البناء بحديقة بها بعض لعب الأطفال في منطقة الرمال في قطاع غزة تعيش أسرة الشوا المكونة من نجلاء وجاسم وطفلتيهما. أخذاني في جولة سريعة بدأناها من المطبخ حيث تحدث جاسم بفخر عن أنه سعى لجلب بلاطه المميز من مكان محدد في الضفة الغربية يشتهر بصناعة البلاط التقليدي الملون.

أثناء زيارة للأرض الفلسطينية المحتلة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كانت أسرة الشوا من بين من التقيتهم وتحدثت معهم عن الشكل الحقيقي للحياة في غزة بعيدا عن الأخبار والتقارير العاجلة.

الحالة الاقتصادية الميسورة لا تكفي لحل مشاكل الحياة في غزة من انقطاع متكرر في الكهرباء وسوء نوعية المياه وغير ذلك من المشاكل كما تقول نجلاء الشوا التي تعمل مع إحدى المؤسسات الدولية.

"للأسف يضطر المرء إلى الاستثمار بشكل هائل، إذا توفرت لديه القدرة المادية، للحفاظ على مستوى معقول للأسرة من توفير المياه الآمنة مثلا. وعلى سبيل المثال اضطررنا إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية وهو أمر مكلف للغاية في قطاع غزة، وإلى تركيب نظام لتنقية المياه لأن نوعيتها سيئة جدا".

ويرتبط توفر المياه بوجود الوقود الضروري لعمل ماكينات ضخ المياه إلى الخزانات على أسطح البيوت كما قال جاسم ونجلاء، وأضافا أن المياه تنقطع أثناء الصيف لعدة أيام تصل إلى أسبوع في بعض الأحيان. عيش حياة طبيعية في غزة لا يتحقق بالمال، كما قال جاسم الشوا، الذي يعمل مترجما.

"المال لا يمكن أن يشتري كل شيء، لا يمكن أن يشتري طريقا للخروج من غزة مثلا. إذا أردنا الخروج من غزة الآن، لن نستطيع. المياه والكهرباء والغاز، كل هذه مشاكل. عندما كانت بنتنا الأولى طفلة رضيعة انقطع الغاز وكنا في عز الشتاء، شحذنا الغاز لكي ندفئ البيت. لم نتمكن من شراء الغاز بأضعاف ثمنه، لأنه لم يكن متوفرا أصلا".

سألت نجلاء وجاسم عن الخدمات الصحية وهي أمر ضروري لأي إنسان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فقالت نجلاء الشوا:

"الرعاية الطبية مقلقة جدا هنا، أضع يدي على قلبي وأتمنى أن نظل جميعا بخير. بالنسبة للمشاكل البسيطة، هناك رعاية أولية بالمؤسسات الخاصة لكن ليس بالقطاع العام الذي يعاني من وضع صعب جدا. إذا وجدت مشاكل صحية كبيرة، فهي لا تُحل إلا عبر المشافي العامة. وهذا أمر يثير القلق. أصدقاؤنا وأقاربنا الذين يحتاجون إلى العلاج بالخارج قد لا يجدون هذا العلاج هنا في غزة أو قد يجدونه بجودة أقل بسبب ضعف وهلهلة النظام الصحي بشكل عام. هناك كفاءات في النظام الصحي ولكن هناك نقص هائل في الأنظمة نفسها وفي إمدادات الدواء".

ووفق موقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، "تفرض إسرائيل قيودا على التنقل في قطاع غزة منذ أوائل التسعينيات، وشددت القيود في يونيه/حزيران 2007 عقب سيطرة حركة حماس على القطاع، حين فرضت إسرائيل حصارا بريا وبحريا وجويا على غزة".

وأشار المكتب إلى تخفيف بعض القيود المتعلقة بالحصار في السنوات الأخيرة، ولكنه قال إن "حوالي 1.8 مليون شخص ما زالوا محتجزين وممنوعين من حرية الوصول إلى ما تبقى من الأرض المحتلة والعالم الخارجي".

جاسم قال لنا إن هذه القيود أثرت بشكل كبير على عمله الخاص إذ اضطر إلى إغلاق مطبعة كان يمتلكها.

"للإغلاق تأثير كبير على عملي. كنت صاحب مطبعة منذ عام 1995، اضطررت منذ حوالي عامين ونصف إلى إغلاقها لأنها لم تعد مجدية اقتصاديا. أنا وشريكي بذلنا كل جهد ممكن لمنع ذلك. أحد الأسباب في بعض الفترات كان عدم توفر الإمدادات اللازمة، وأيضا الوضع المتردي جدا للناس الذي دفعهم إلى التوقف عن الطباعة والبحث عن أرخص الحلول الممكنة. وطبعا الكهرباء كانت مشكلة. كان من الصعب تشغيل المطبعة بمولد يحتاج إلى وقود غالي الثمن كنا نواجه شحا في إمداداته لفترات طويلة".

نجلاء الشوا في منزلها في حي الرمال في قطاع غزة. تحدثت الشوا مع أخبار الأمم المتحدة عن صعوبة الحياة في غزة حتى مع توفر الإمكانيات المادية لأسرتها.
UN News/Reem Abaza
نجلاء الشوا في منزلها في حي الرمال في قطاع غزة. تحدثت الشوا مع أخبار الأمم المتحدة عن صعوبة الحياة في غزة حتى مع توفر الإمكانيات المادية لأسرتها.

وتقول نجلاء الشوا إن "الحياة في غزة مليئة بالتناقضات، إذ يوجد فيها كثير من الحياة رغم عدم وجود الأمل". ويتطرق جاسم إلى مشكلة السفر من قطاع غزة سواء عبر معبر رفح أو إريتز.

ويقول إن الرحلة من غزة إلى القاهرة كانت تستغرق في الماضي حوالي 10 ساعات، ولكن الآن مع التعقيدات والقيود، تستغرق أحيانا أسبوعا كاملا.

وكان السؤال المتوقع بعد الحديث عن كل مشاكل العيش في غزة هو: هل فكرتما في مغادرة غزة والإقامة في أي دولة أخرى؟

فكان ردهما واحدا: ليس بعد. وقال جاسم:

"ما زالت لدينا قدرة على التحمل. ولكننا لا نعلم ماذا يخبئ المستقبل عندما تكبر ابنتانا".

فسارعت بسؤالهما: هل تتوقعان أن تظل الأمور على ما هي عليه عندما تكبر الطفلتان، فردت نجلاء:

"أكيد...في الواقع نأمل طبعا أن تتغير الأوضاع، ولكننا تعلمنا وتوارثنا من آبائنا أن كل جيل يسلم الآخر ويقول له: نأمل أن تكون أيامكم أفضل من أيامنا. ولكن للأسف الأمور تزداد تعقيدا. من الصعب أن نرى مستقبلا أفضل لفلسطين، وخاصة غزة. أحيانا نفكر معا ونقول: لماذا نظل هنا؟ ولكن هناك ارتباط بهذا المكان يمنعنا من المغادرة".

أجرت الحوار وأعدت المقال: ريم أباظة.