منظور عالمي قصص إنسانية

دروس من لبنان لمؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني

أطفال سوريون في وادي البقاع-لبنان.
UNICEF/Vanda Kljajo
أطفال سوريون في وادي البقاع-لبنان.

دروس من لبنان لمؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني

مقال بقلم: فيليب لازاريني المنسّق المقيم ومنسّق الشؤون الإنسانية في لبنان.يجتمع قادة العالم الشهر المقبل في إسطنبول في أول قمة عالمية للعمل الإنساني لمناقشة كيفية معالجة الأزمات الإنسانية المعقدة وغير المسبوقة التي نشهدها.

تزداد المعاناة الإنسانية بشكل مذهل – بحيث يحتاج اليوم 125 مليون شخص في 37 دولة حول العالم إلى مساعدة إنسانية. فالصراعات الوحشية تدمر حياة الملايين من البشر وقد أدّت الى أعداد غير مسبوقة من اللاجئين والنازحين داخلياً. فقد أجبر حوالى 60 مليون شخص على مغادرة منازلهم، نصفهم من الأطفال، والأرقام نحو مزيد من الارتفاع.

قبيل انعقاد القمة، دعا الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف واللاعبين الى تجديد التزاماتهم بالحدّ من آثار الحرب على المدنيين والمجتمعات، وإعادة صياغة العمل الإنساني كبادرة تضامن. وقد حددّ الأمين العام مسؤوليات أساسية للمجتمع الدولي "من أجل ضمان خدمة أفضل للإنسانية."

فالمطلوب من القادة السياسيين جعل الرحمة والشجاعة في صلب العملية الجماعية لصنع القرار كما عليهم أن يظهروا النية بمنع نشوب النزاعات وإنهائها؛ وعلى الدول احترام القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان مع ضمان خضوع منتهكيها للمحاسبة؛ وعلى القادة تمكين وحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً وعدم إغفال أحد؛ وتأمين استعداد أفضل للكوارث الطبيعية والأزمات؛ وأخيراً استحداث المزيد من سبل التمويل الأكثر مرونة وابتكاراً من أجل معالجة آثار الأزمات عالمياً.

الرسالة واضحةٌ: عالمنا اليوم أمام منعطف حرج وعلينا الوقوف معاً من أجل إنسانية مشتركة. هنا استطاع اللبنانيون تقديم مثال للعالم حول التزام من هذا النوع. غير أن المثال اللبناني يظهر أيضاً قيود النموذج التقليدي للاستجابة للأزمات الطويلة الأمد.

تصدر لبنان خلال السنوات الخمس الأخيرة إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في زمننا. فعلى الرغم من موارده المحدودة والتحديات السياسية والمخاوف الأمنية، أظهر لبنان التزاماً  وتضامناَ أستثنائياً بحيث فتح أبوابه لأكثر من مليون لاجئ هربوا من الحرب في سوريا. فاليوم واحد من بين كل ثلاثة أشخاص في لبنان هو إما سوري أو فلسطيني. فتحت المجتمعات اللبنانية أبواب مدارسها وعياداتها وحتى بيوتها لمئات الآلاف من السوريين الذيم هربوا من بلادهم وفي غالب الأحيان خسروا كل شيء.

فالعالم مدين للشعب اللبناني والسلطات اللبنانية على كرمها. ويعمل الشركاء الدوليون على دعم البلاد بشكل ملحوظ. ففي العام 2015 فقط، تخطى إجمالى المساعدات الإنسانية 1.3 مليار دولار أميركي ومن المتوقع أن يبلغ التمويل مستويات مشابهة أو أعلى في العام 2016. ومع ذلك، نحن على أعتاب السنة السادسة للصراع، ولبنان قد وصل الى أبعد حدود. فاحتياجات اللاجئين تضاهي قدرة المجتمعات المضيفة في تأمين الخدمات اللازمة ولا يجوز بعد اليوم اعتبار الاستقرار كأمر مفروغ منه.

تظهر تجربة لبنان أن المساعدات الإنسانية وحدها لا تستطيع معالجة طول أمد الأزمة السورية. نحن بحاجة الى عمليات استجابة مبتكرة تستهدف اللبنانيين والسوريين على حدّ سواء. يريد اللاجئون العودة الى ديارهم. ولكن، أثناء فترة نزوحهم، يجب أن يكونوا قادرين على العيش بكرامة. وعندما يعودون الى ديارهم يجب أن يكونوا قادرين على المساهمة السريعة في إعادة بناء بلدهم.  في الوقت عينه، علينا مساندة لبنان في تخطي التراجع الاقتصادي من خلال تقوية القطاعات المنتجة الأساسية وتحديث البنية التحتية مما سيجعل لبنان قادراً على التصدي لآثار الأزمة، كما سيجعله مرساة للاستقرار وقوة دافعة لإعادة الإعمار في المنطقة.

قدّم لبنان رؤيته خلال مؤتمر لندن في شباط الماضي حول كيفية تحويل الأزمة الى فرصة لبناء المستقبل. والمقصود بذلك تأمين حصول الجميع، من لبنانيين ولاجئين سوريين، على فرص تعليمية. والمقصود أيضاً الاستثمار من أجل تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للاجئين السوريين وللبنانيين. وقد تعهد المجتمع الدولي بدعم الحكومة اللبنانية في هذه الرؤية الطموحة وهو يفي بالتزاماته.

يشكلّ مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني مناسبة لتقديم لبنان كمثال في تحويل الإستجابة الإنسانية التقليدية. علينا الأخذ بعين الاعتبار الدور المتغير للمساعدات في الأزمات الطويلة الأمد بحيث أنّه من الضروري زيادة إمكانية المجتمعات اللبنانية المضيفة والمؤسسات الأساسية لضمان الاستقرار.

الى ذلك، تشكلّ القمة مناسبة لنا جميعاً للتعبير عن تضامننا ومساندتنا ليس فقط للـ 125 مليون شخص الذين يعانون من الأزمات إنما أيضاً لأولئك الذين يتصدرون الاستجابة مظهرين قوة الإنسانية من خلال التزامهم بالوقوف الى جانب الأشخاص المحتاجين.

الأهم أن هذه القمة هي فرصة فريدة لخلق زخم للتغيير والوقوف معاً وإظهار رفضنا لزوال الإنسانية، الذي نشهده اليوم.

هذا سيكون استثمارنا بالإنسانية، بحيث لا يتم إغفال أحد.

فيليب لازاريني

المنسّق المقيم ومنسّق الشؤون الإنسانية.

تابعوا فيليب لازاريني على تويتر : @UNLazzarini

لمعرفة المزيد عن مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني يرجى زيارة الموقع التالي:  https://www.worldhumanitariansummit.org/ أو تابع: @WHSummit

الصور: مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين