منظور عالمي قصص إنسانية

اليونسكو: وسائل التواصل الاجتماعي تشكل "تهديدا وجوديا" لوسائل الإعلام التقليدية الموثوق بها

أدى الوجود المهيمن لوسائل التواصل الاجتماعي إلى انخفاض الطلب على الصحافة المطبوعة التقليدية.
Unsplash/Lilly Rum
أدى الوجود المهيمن لوسائل التواصل الاجتماعي إلى انخفاض الطلب على الصحافة المطبوعة التقليدية.

اليونسكو: وسائل التواصل الاجتماعي تشكل "تهديدا وجوديا" لوسائل الإعلام التقليدية الموثوق بها

الثقافة والتعليم

حذرت منظمة اليونسكو من خطر وسائل التواصل الاجتماعي والتهديد الوجودي الذي تفرضه على وسائل الإعلام المهنية. وأشارت إلى الخلل في "نموذج أداء عمل وسائل الإعلام" مما يقوض حقنا الأساسي في الحصول على المعلومات.

جاء ذلك في تقرير جديد، نشرته الوكالة الأممية اليوم الخميس، يتناول الاتجاهات العالميّة في حرية التعبير وتنمية وسائل الإعلام في الفترة 2016-2021.

ويخلص التقرير إلى أن شركتي غوغل وميتا (المعروفة سابقا بفيسبوك) تستحوذان اليوم على ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العالمي على الإعلانات الرقميّة، بيد أنّ إيرادات إعلانات الصحف العالميّة قد انخفضت بمقدار النصف في السنوات الخمس الماضية.

كوفيد-19 يفاقم أزمة وسائل الإعلام

وذكر تقرير اليونسكو أن الجائحة كثّفت الاتجاهات القائمة في انخفاض ريع الإعلانات، والخسائر في الوظائف، وإغلاق غرف الأخبار.

وأورد بيانات صادرة عن المركز الدولي للصحفيين تظهر أن ثلثي الصحفيّين يشعرون بقدر أقل من الأمان في وظائفهم من جرّاء الضغوطات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.

و تُعتبر الصحافة، لا سيما الصحافة الاستقصائية، خدمة أساسية لإنقاذ الأرواح في خضم تفشي الأوبئة.

وفي ظل المحتوى الكاذب الذي انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم بشأن جائحة كوفيد-19، تسبب إغلاق غرف الأخبار وتقليل عدد الوظائف في "فراغ كبير" في المشهد الإعلامي، ولا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وأفاد مرصد الوباء المعلوماتي، وهو مبادرة تابعة لمؤسسة برونو كيسلر، أنّ شهر أيلول/سبتمبر 2020 شهد تداول أكثر من مليون منشور عبر تويتر بمعلومات غير دقيقة وغير موثوقة، أو مضللة بما يتعلق بالجائحة. 

من الأرشيف: صحفيون يأخذون قسطا من الراحة بعد يوم حافل في مؤتمر المناخ COP26 في غلاسكو، أسكتلندا.
UN News/Laura Quinones
من الأرشيف: صحفيون يأخذون قسطا من الراحة بعد يوم حافل في مؤتمر المناخ COP26 في غلاسكو، أسكتلندا.

 

الصحفيون لا يزالون عرضة للهجمات

وذكر التقرير أن هذه الأزمة الاقتصادية تأتي أيضا في وقت تتعاظم فيه التهديدات المحدقة بسلامة الصحفيين، ليس فقط من الحكومات والجماعات الإجرامية، بل كذلك من جماعات الضغط الخاصة ومن بعض أفراد المجتمع الذين تزداد جرأتهم على نشر الافتراءات وشنّ الهجمات عبر الإنترنت.

بشأن الإفلات من العقاب على عمليات القتل، أشارت اليونسكو، إلى أن الفترة الممتدة من عام 2016 إلى نهاية عام 2021، شهدت مقتل 455 صحفيا، منهم من لقي حتفه بسبب وظيفته، ومنهم من استُهدف وهو على رأس عمله.

وأوضحت أن زهاء 9 من كل 10 عمليات قتل لا تزال دون حل. "ويؤدي المعدل العالمي للإفلات من العقاب على قتل الصحفيين إلى تأجيج دائرة من العنف، ويترك تأثيرا أليما على الصحفيين كافة."

أما العنف واسع النطاق ضد الصحفيين عبر الإنترنت، فقد ذكر التقرير بأنه يُمثّل أحد التوجهات الجديدة والمتنامية، ويؤثر في الصحفيات بصورة متفاوتة في شتّى بقاع الأرض.

وأشارت اليونسكو إلى أنّ الهجمات ضد الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات والمظاهرات وأعمال الشغب شائعة أيضا على نحو مثير للجزع. فقد رصدت المنظمة وقوع هذا النوع من الهجمات في 60 بلدا على الأقل في الفترة الممتدة بين شهرَي كانون الأول/يناير وآب/أغسطس في عام 2021.

"وشهدنا منذ عام 2015 مقتل ما لا يقل عن 13 صحفياً أثناء تغطيتهم للاحتجاجات."

Tweet URL

اللجوء إلى فرض رقابة ذاتية

وفقا لليونسكو، لا تحمي قوانين العديد من البلدان الصحفيين بصورة كافية من هذه التهديدات. ويعرّضهم الإطار القانوني في الحقيقة إلى خطر أكبر في بعض الأحيان. تبنّت 44 دولة منذ عام 2016 أو عدّلت قوانين جديدة تحتوي على لغة مُبطّنة أو تهدد بفرض عقوبات متفاوتة على أفعال تنطوي على نشر "الأخبار الكاذبة" أو "الشائعات" أو "التشهير الإلكتروني"، الأمر الذي يؤدي إلى فرض رقابة ذاتية.

لا يزال التشهير يُعتبر جريمة جنائية في 160 بلدا. عندما يكون قانون التشهير قانونا جنائيا وليس مدنيا، يمكن الاستناد إليه كأساس للاعتقال أو الاحتجاز، وهو ما يؤدي فعلياً إلى تكميم أفواه الصحفيين، حسبما أورد التقرير.

وتُظهر بيانات صادرة عن لجنة حماية الصحفيين أن 293 صحفيا سُجنوا في عام 2021، وهو أعلى مجموع سنوي في ثلاثة عقود.

توصيات التقرير

حثت منظمة اليونسكو الحكومات على اتخاذ إجراءات سياسية في ثلاثة مجالات رئيسية لحماية وسائل الإعلام المستقلّة والذّود عن سلامة الصحفيين:

أولا، دعم الجدوى الاقتصادية لوسائل الإعلام المستقلة مع احترام الاستقلالية المهنيّة للصحفيين. وتستطيع الحكومات على سبيل المثال تقديم امتيازات ضريبية للمؤسسات الإعلاميّة المستقلة على نحو يتسم بالعدل والشفافية ولا يُخل باستقلالية التحرير.

ثانيا، الارتقاء بالدراية الإعلامية والمعلوماتية لتوعية المواطنين كافة بشأن الفرق بين المعلومات الموثوقة والمتحقق من صحتها وبين المعلومات غير المؤكدة، وتشجيع العامة على استقاء المعلومات من وسائل الإعلام المستقلة.

ثالثا، سن قانون إعلامي أو إدخال إصلاحات على القوانين القائمة لدعم الإنتاج الإعلامي الحر ومتعدّد الجوانب، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحرية التعبير، وفي مقدّمتها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة.