منظور عالمي قصص إنسانية

راديو مِرايا: صوتُ السلامِ والأملِ في جنوب السودان

الزميل غابرييل شدار من إذاعة مرايا خلال نقله بثا مباشرا من الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة.
UNMISS
الزميل غابرييل شدار من إذاعة مرايا خلال نقله بثا مباشرا من الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة.

راديو مِرايا: صوتُ السلامِ والأملِ في جنوب السودان

الثقافة والتعليم

"أصبحت الإذاعة هي حياتي وهوايتي المفضلة وشغلي الشاغل والآن أنا مستمر في هذا العمل الذي أحببت ومازلت متفانيا في هذا المجال وأقدم ما أستطيع تقديمه". 

هذا ما قاله الزميل غابرييل شدار الصحفي والمذيع براديو مرايا في جنوب السودان، خلال حوار مع أخبار الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة الذي تحييه الأمم المتحدة سنويا في 13 شباط/فبراير.

راديو مرايا هو محطة إذاعية تابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان تملكها وتديرها بعثة الأمم المتحدة في البلاد، المعروفة اختصارا باسم أونميس.

تم تأسيس راديو مرايا في عام 2005 تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وكان هدفها الرئيسي في ذلك دعم تنفيذ اتفاق السلام الشامل الذي وضع نهاية للصراع الطويل بين الجنوب والشمال.

التحق غابرييل شدار بإذاعة مرايا في عام 2006 وشهد معها لحظات حاسمة في تاريخها أهمها ميلاد أحدث دولة في العالم في عام 2011.

في هذا الحوار الخاص مع أخبار الأمم المتحدة يتحدث الزميل غابرييل عن إذاعة مرايا وما تقدمه لمواطني جنوب السودان من خدمات تعليمية وتثقيفية، ودورها في تعزيز اللحمة الوطنية بين أبناء شعب يعاني انقسامات عديدة. بدأ غابرييل شدار حديثه بالقول:

شكرا لاستضافتي. أنا صحفي في إذاعة مرايا في جنوب السودان. أنا سوداني من جنوب السودان. تخرجت في كلية الآداب في جامعة الخرطوم ودرست اللغة العربية والفرنسية وأجيد أيضا اللغة العربية.

نشأت محبا للعمل الإعلامي ومارست الإعلام كهواية في القطاع الخاص قبل أن أنضم إلى بعثة الأمم المتحدة في السودان في ذلك الوقت، في سنة 2006، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الإذاعة هي حياتي وهوايتي المفضلة وشغلي الشاغل والآن أنا مستمر في هذا العمل الذي أحببته ومازلت متفانيا في هذا المجال وأقدم ما أستطيع تقديمه.

الزميل غابرييل شدار من راديو مرايا يحاور سفير السنغال لدى الأمم المتحدة في استديوهات مرايا في جوبا بجنوب السودان.
UNMISS
الزميل غابرييل شدار من راديو مرايا يحاور سفير السنغال لدى الأمم المتحدة في استديوهات مرايا في جوبا بجنوب السودان.

 

حدثنا عن البرامج اليومية التي تقدمونها للمستمعين في جنوب السودان؟

نحن نقدم البرامج ضمن ثلاثة أطر. الإطار الأول هو تقديم المعلومة. والإطار الثاني هو الترفيه، أما الإطار الثالث فهو الربط بين المواطنين في جنوب السودان عن طريق التعليم والتثقيف. إذاً فنحن نقدم الخبر والتثقيف والترفيه. ضمن هذه الأطر الثلاثة، نقدم برامج إخبارية على مدار الساعة وكذلك نقدم البرامج الصباحية وبرامج منتصف النهار والبرامج المسائية.

هناك برنامج صباحي يسمى "بريكفاست"- أي الإفطار- وهو يستمر من لحظة شروق الشمس وحتى التاسعة صباحا تقريبا، ونقدم فيه مزيجا من الأخبار الجادة والترفيه والموسيقى ونمط وأسلوب الحياة في مختلف أنحاء البلاد. 

لدينا برامج خاصة بالموسيقى، حيث نقدم موسيقى من جنوب السودان بنسبة 70 في المائة، وأيضا موسيقى من الجوار الأفريقي في شرق وغرب أفريقيا، ونحاول مزج ذلك كله بموسيقى من العالم الحديث. هذا ما يحبه الشباب ولابد أن نهتم به. 

لدينا برامج مختصة تعكس مختلف وحدات بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان. هناك برامج تعكس ما تقوم به وحدة الشرطة، أو وحدة الشؤون المدنية، أو وحدة الشؤون السياسية، أو وحدة شؤون الطفل وكذلك المرأة والشباب. 

نحاول أن نلمس كل هذه المجالات في برمجتنا. لدينا أيضا مناظرات أسبوعية. كنا نعقد مناظرات يومية، ولكن بعد الحرب قلصنا عددها لتكون أسبوعية. لدينا أيضا برنامج رياضي يُقدم في نهاية الأسبوع خلال يومي السبت والأحد. 

نقدم التغطية الحية حتى العاشرة مساء، وبعد ذلك يتم بث البرامج المسجلة.  نقدم تغطية حية للأحداث المهمة سواء كانت في مجلس الوزراء أو في القصر الرئاسي أو في أي مكان آخر في جنوب السودان. 

بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل الأفريقي، أتاح راديو مرايا، الذي تديره  بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان،  للأطفال  العمل كمذيعين  في برنامج صباحي لمدة ساعتين والاستمرار في تقديم الأخبار .المصدر: بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان/أيزك بيلي
UN Photo/Isaac Billy
بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل الأفريقي، أتاح راديو مرايا، الذي تديره بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، للأطفال العمل كمذيعين في برنامج صباحي لمدة ساعتين والاستمرار في تقديم الأخبار .المصدر: بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان/أيزك بيلي

 

حدثنا عن الدور الذي تلعبه إذاعة مرايا فيما يتعلق بالسلام في جنوب السودان؟

نحن نقدم برامج مفصلة بطريقة غير مباشرة حسب مقتضيات تكليف أو تفويض بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وخاصة في المجالات الأربعة لتفويض البعثة وهي: دعم تنفيذ اتفاق السلام، ودعم العمليات الإنسانية، وحماية المدنيين، ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان.

نحن لا نترك حجرا دون أن نرفعه في مجال البحث عن السلام، حيث نغطي كل صغيرة وكبيرة في تنفيذ اتفاق السلام، وكل كبيرة وصغيرة فيما يتعلق بانتهاكات اتفاق السلام وفي انتهاكات حقوق الإنسان وفي انتهاكات حماية المدنيين.

كما تعلم، فهناك الكثير من النزاعات المجتمعية والعشائرية التي لا تمت بشكل مباشر إلى السياسة، ولكنها أيضا نتاج لتقصير أو عدم وجود سلطة الدولة أو الحكومة في هذه المجتمعات، حيث يلجأ الناس إلى أخذ القانون بيدهم عندما يتأخر تنفيذ العدالة، وبالتالي نحاول أن نلفت النظر إلى ذلك من خلال تقديم الخبر اليومي عن هذه الأحداث، واستطعنا أن نقدم الكثير في هذا المجال للمستمعين وللمسؤولين أيضا. 

ونحاول أيضا أن نقرب بين المسؤولين والمواطنين لأنه لا توجد منابر يلتقي خلالها المسؤولون والمواطنون بشكل مباشر.

فيما يتعلق باللغات، فاللغة العربية هي لغة الشارع، ونحن نقدم برامجنا باللغتين العربية والإنجليزية.

هل الناس في جنوب السودان ما زالوا يستمعون إلى الإذاعة أم أن هناك وسائل أخرى مثل التلفزيون والصحف والإنترنت وغيرها من الوسائل؟

على الرغم من انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والشبكات إلا أن هناك قطاعا كبيرا يستمع للإذاعة، وخاصة في المناطق الريفية، فمعظم سكان جنوب السودان يعيشون في الريف. 

بالنسبة لسكان المدن فهناك قطاع كبير منهم لم يعودوا يستمعوا إلى الإذاعة، ولكنهم يطلبوا الاستماع إلى الإذاعة عبر هواتفهم النقالة وكذلك يزورون موقع الإذاعة الإلكتروني وفي وسائل التواصل الاجتماعي لاستقاء الأخبار.

هناك مستمعون من الخارج في دول المهجر سواء كانوا في شرق أفريقيا، أو الولايات المتحدة، أو كندا، أو أستراليا.

هناك طرفة، وهي أن أحد مسؤولي الإذاعة كان في زيارة إلى باريس وقد صادف سودانيا يعمل كسائق تاكسي وكان يستمع إلى إذاعة مرايا عبر الإنترنت وقد كانت مفاجأة سارة جدا. 

إذاً، فالإذاعة لا تزال تحتفظ بمكانة مهمة جدا لدرجة أنه إنْ حدث وانقطع بث الإذاعة في إحدى المناطق تصلنا الكثير من الاتصالات التي تسأل عما حدث. يقول الناس إنهم يصبحون كالعميان نتيجة انقطاع البث ويناشدونا العمل على استعادة البث بأسرع ما يمكن وهذا يدل على تأثير الإذاعة في الكثير من المناطق.

هناك عامل اقتصادي آخر وهو أن الاستماع إلى الإذاعة أقل تكلفة من بقية وسائل الإعلام الأخرى. ونسبة لضعف البنية التحتية في البلاد وعدم توفر الكهرباء فإن ذلك يحد من قدرة الناس على مشاهدة التلفزيون. 

الصحف اليومية أيضا غير متوفرة ولذلك فإن الناس حتى غير المتعلمين منهم يستقون الأخبار من الإذاعة. 

أحد استوديوهات راديو مرايا
UNMISS/Isaac Billy
أحد استوديوهات راديو مرايا

 

كيف تكافح إذاعة مرايا الأخبار الكاذبة والمضللة؟

هذا سؤال مهم جدا، وخاصة في بلد شهد حربين بين 2013 و2016. ظهرت ظاهرة الأخبار الكاذبة أو الأخبار التي تنشر الكراهية بكثرة وخاصة في وسائط التواصل الاجتماعي بين مواطني جنوب السودان الذين يعيشون في المهجر، ولقد حاولنا كثيرا أن نقف في وجه هذه الظاهرة من الأخبار الملفقة والشائعات. 

حاولنا كثيرا معالجة هذه الظاهرة. لقد وصل الأمر إلى أنشاء البعض مواقع مزورة باسم إذاعة مرايا في مواقع التواصل الاجتماعي، وكنا نتتبع هذه المواقع ونخطر إدارة فيس بوك بها ونحاول أيضا أخذ مقاطع مما ينشر وننشره في صفحتنا ونقول هذا ليس خبرنا. 

انضممنا أيضا في حملات مكثفة مع الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تنشط بشدة في محاربة الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، ونجحنا بشكل كبير في تقليل خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة. 

نلاحظ أنه كلما تقدم الناس في تنفيذ اتفاق السلام تقل نسبة خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة. إذاً، فنحن نضع مسألة محاربة خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة في إطار تغطيتنا لإخطار المستمع بالحقائق.

ومثلما قال أحد المديرين السابقين للإذاعة، فإن ما يقتل الناس هو عدم توفر المعلومة أو نقصها أو المعلومة غير الصحيحة، وكل هذه قد تقود إلى الأحداث التي تسبب موت الناس أو وقوع ضحايا.

ختاما، ما رسالتك إلى مستمعي راديو مرايا في جنوب السودان بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة؟

هناك الكثير من الرسائل التي بُعثت إلى المواطنين في جنوب السودان، ولكن يمكنني القول إننا كدولة جديدة وكشعب قد قطعنا مشوارا طويلا، وحققنا الكثير من المكاسب التي يجب أن ننتبه إليها في إطار تكوين الأمة وإنشاء الدولة. 

يجب علينا أن نركز فيما يجمعنا فالكثير من الأشياء التي نرى أنها تفرقنا هي في الحقيقة من الأشياء التي تجمعنا سويا وتوحدنا والعالم كله يتجه الآن إلى الوحدة والانسجام والتقارب ويجب ألا نكون ضد هذا التيار. 

علينا أن نجمع شملنا وأن نقدم من يستطيعون قيادتنا وتوصيلنا إلى ما نصبو إليه وذلك من خلال التعايش على الحد الأدنى من التعايش السلمي الذي يقود إلى تحقيق الرفاهية للجميع.

تلاميذ في مدرسة إبتدائية في جوبا بجنوب السودان، خلال نقاش، بمناسبة اليوم الدولي للسلام، تم تنظيمة بواسطة راديو مرايا.
UN Photo/JC McIlwaine
تلاميذ في مدرسة إبتدائية في جوبا بجنوب السودان، خلال نقاش، بمناسبة اليوم الدولي للسلام، تم تنظيمة بواسطة راديو مرايا.