منظور عالمي قصص إنسانية

منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي لسوريا: العمل الإنساني حاسم لكن المطلوب حل سياسي ينهي الحرب

مهند هادي، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية مع طفلة في دمشق قبل عدّة أعوام.
WFP
مهند هادي، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية مع طفلة في دمشق قبل عدّة أعوام.

منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي لسوريا: العمل الإنساني حاسم لكن المطلوب حل سياسي ينهي الحرب

المساعدات الإنسانية

قال مهنّد هادي منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية إن الأمل معقود على المنظمات الإنسانية في مساعدة الملايين على البقاء على قيد الحياة. لكنه أكد، في الذكرى العاشرة للصراع، أن الحل في سوريا ليس إنسانيا، بل يجب أن يكون سياسيا.

فيما يمر عقد من الزمن على الحرب السورية، تترك الأزمة بصمتها المأساوية داخل البلاد وفي الدول المجاورة لها. وبين معاناة الفقر والنزوح واللجوء، يثبت السوريون عزما وإصرارا على الحياة، وتواصل المنظمات الإنسانية تقديم الإغاثة والمساعدات رغم التحديات التي تفاقمها الأوضاع الأمنية وجائحة كـوفيد-19.

في الذكرى العاشرة للصراع السوري تحدثنا مع السيّد مهند هادي، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية.

10 سنوات على الحرب: سوريا بحاجة إلى حل سياسي لإنهاء الحرب

أخبار الأمم المتحدة: بعد 10 سنوات على الحرب في سوريا، ما هي التداعيات الإنسانية للصراع؟ كيف تبدو حياة السوريين الآن؟

مهند هادي: للأسف نحن نمرّ بالذكرى العاشرة للأزمة السورية، وهذه ليست ذكرى طيبة إطلاقا. أنا أذكر قبل 10 سنوات كنت الممثل والمدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا، وكنت أعمل هناك قبل بداية الأزمة، فأنا عاصرت سوريا قبل الأزمة وعندما بدأت الأزمة، ولم أكن أتوقع أو لم يكن أحد ليتوقع أن تستمر الأزمة لمدة 10 سنوات.

لم أكن أتوقع أو لم يكن أحد ليتوقع أن تستمر الأزمة لمدة 10 سنوات

للأسف هذه الحرب التي نشأت في سوريا، أدّت إلى تهجير ملايين الناس ما بين لاجئين ومشرّدين داخل سوريا، ناهيك عن عدد القتلى الذين لقوا حتفهم في هذه الحرب. ونقول ذلك للأسف.

عشت في سوريا وعملت فيها، وما يحصل في هذا البلد العظيم يدمي القلب. للأسف نرى معاناة الأطفال والنساء في هذه الظروف الصعبة. دُمرت بيوت ودُمرت البنية التحتية في معظم مناطق سوريا، ونرى معاناة الناس بشكل يومي. الناس في سوريا يحتاجون إلى شتّى أنواع الدعم الإنساني ما بين مأوى وتعليم وغير ذلك، وصلت بهم الحال في أجزاء من سوريا إلى أنهم بحاجة إلى كل أنواع الدعم المقدم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي الطرق التي تساعد بها الأمم المتحدة أولئك العالقين في براثن الصراع؟

مهند هادي: أنتِ تعرفين أنه الآن يوجد أكثر من 13 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهذه المساعدات تشمل مواد غذائية ومواد غير غذائية، وتشمل التعليم والمأوى والمياه الصالحة للشرب، حيث إن المياه الصالحة للشرب ليست متوفرة لملايين السوريين. أضف إلى ذلك موضوع الحماية الذي هو مهم لفئات كبيرة من السوريين وخاصة النساء والأطفال. تعمل منظمات الأمم المتحدة وشركاؤها على تأمين هذه المساعدات للسوريين. خلال عام 2020 قدّمنا أكثر من 6.7 مليون من المساعدات ما بين سلة غذائية ومساعدات أخرى، تم تأمينها للسوريين. هذه في الحقيقة لا تغطّي جميع الاحتياجات في سوريا، إنما تغطي الفئة الأكثر تضررا واحتياجا من باقي الفئات السورية.

والأعداد في زيادة - ما بين عام 2020 والعام الذي سبقه، يوجد أكثر من مليون ونصف مستفيد أو مليون ونصف سوري أصبحوا ضمن الفئة الأكثر احتياجا والأكثر عوزا في سوريا.

المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، مهنّد هادي، يلتقي مع أطفال سوريين.
WFP

أخبار الأمم المتحدة: ما هي أبرز العقبات أو التحديات التي تواجه مهمتكم في سوريا؟

مهنّد هادي: العقبات في سوريا كثيرة. أولا النزاع القائم على الأرض هو الذي يؤثر جدا على تحرّكنا وعلى إمكانيات الوصول إلى الناس. أيضا هناك العقبات البيروقراطية من جميع الأطراف. منظمات الأمم المتحدة وشركاؤها بحاجة للوصول إلى المستفيدين، كي نقوم بعمليات تقييم وتقديم المساعدات وتقييم ما بعد تقديم المساعدات لنتأكد من أن برامجنا فعلا تستهدف الناس الأشد احتياجا، ونرى ما يحتاجه الناس في المستقبل.

سوريا أصبحت أرض نزاع لأطرف إقليمية وللأسف هذا الذي يزيد من الصعوبات التي تواجهنا

أضف إلى ذلك أن سوريا أصبحت أرض نزاع لأطرف إقليمية وللأسف هذا الذي يزيد من الصعوبات لدينا، ناهيك عن الفترة التي كانت فيها أجزاء من سوريا تحت سيطرة منظمات إرهابية كداعش أو غيرها، هذا أيضا أثّر على برامج الأمم المتحدة.

سيّدتي، الوضع في سوريا مأساوي، الوضع في سوريا أزمة للأسف تأثر بها المجتمع السوري بأكمله، تأثر بها النساء والأطفال وكبار السن، هؤلاء هم دائما الأكثر تضررا خلال الحروب.

والحرب في سوريا، كما في أي بلد آخر، أولا تستهدف الأشخاص الأكثر ضعفا. ودائما ما أقول إنه في الحرب وفي مناطق النزاع من الصعب إيجاد ملائكة على الأرض. دائما تجدون أشخاصا بحاجة للمساعدات ونرى دائما أشخاصا مظلومين ضحايا الحرب لا حول لهم ولا قوة، هم ليسوا السبب في هذا الصراع، ولكنّهم دائما يدفعون ثمن النزاعات التي لا بد أن تنتهي.

أخبار الأمم المتحدة: متى كانت آخر مرة زرت بها سوريا وأي منطقة زرت وما الذي شاهدته هناك؟

مهنّد هادي: آخر مرة زرت فيها سوريا كانت في شهر شباط/فبراير 2020، قبل جائحة كوفيد-19، وعلى فكرة موضوع الجائحة أثّر جدا على وضع الناس في سوريا فضلا عن كل المصاعب التي يواجهونها، جاءت كورونا لتزيد معاناة الشعب السوري. في بداية تفشي كورونا، قبل عام تقريبا كنتُ في سوريا، زرتها بصفتي المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي.

ذهبت إلى دمشق وريف دمشق، ذهبت إلى مناطق في الشمال. رأيت كما يرى الجميع، أشخاصا شرّدوا من منازلهم، رأيت أشخاصا وأطفالا خارج المدارس، رأيت نساء ورجالا يجاهدون ليحصلوا على طعام يقدّمونه لأبنائهم. ما رأيناه هو أننا رأينا وضعا صعبا، رأينا وضعا إنسانيا للأسف يتأثر به أي إنسان يراه.

مهند هادي، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية.
WFP
مهند هادي، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية., by WFP

مع هذا رأينا أملا. أمل من خلال موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والشعب نفسه - المتطوعين الذين يساعدون بعضهم بعضا. من ناحية، ترين معاناة الشعب السوري ومن ناحية أخرى ترين العزم والقدرة السورية والتصميم السوري على مساعدة بعضهم البعض، والمجتمع الدولي الذي يدعم الوضع الإنساني في سوريا. هو خليط من الأحاسيس ما بين الفرحة وما بين الشقاء والحزن في تلك الرحلة كما باقي الزيارات التي قمت بها إلى سوريا.

أخبار الأمم المتحدة: الأوضاع في مخيم الهول للاجئين على وجه التحديد مأساوية مع مقتل عدد من سكان المخيم في الأشهر الماضية. لماذا الأوضاع متردية بهذا الشكل وما الذي يمكن فعله لحماية المدنيين هناك؟

مهنّد هادي: بالنسبة للمخيمات، لا يوجد أسوأ من أن يحيا المرء في مخيّم، لا يوجد أسوأ من تهجير المرء من دياره، مهما كان المخيم يقدم مساعدات للأشخاص، لا غنى عن العودة إلى المنزل والعمل والمدرسة. يواجه القاطنون في مخيّم الهول عدّة مشاكل وتحديات، وعلى رأسها التحديات الأمنية والوضع الأمني.

نعمل مع السلطات المحلية لتقديم مساعدات لهم، حتى على الأقل يكون الوضع الأمني هناك مقبولا إلى حدّ ما. رأينا في الأسابيع والأشهر الماضية عمليات قتل واغتيالات لبعض القاطنين في المخيم، وهذا أمر مؤسف جدا.

ونحن من خلالكم نناشد الدول المانحة والدول الأعضاء التي لها تأثير على السلطات المحلية القيام بعمل ما لتأمين الساكنين في مخيم الهول. الوضع الإنساني صعب لا شك، ولكننا بحاجة إلى حلول مستدامة في مخيم الهول حتى تقوم الدول بإعادة الموجودين فيه إلى ديارهم الأصلية.

أخبار الأمم المتحدة: إلى جانب ذلك، ما المطلوب من المجتمع الدولي من أجل وضع حد لمأساة الحرب في سوريا؟

أطفال يلعبون في الوحل في مخيم للنازحين يقع شمال حلب، سوريا.
© UNICEF/Mohammad Breer
أطفال يلعبون في الوحل في مخيم للنازحين يقع شمال حلب، سوريا., by © UNICEF/Mohammad Breer

 

مهنّد هادي: مأساة الحرب في سوريا هي مأساة يدفع ثمنها المواطن السوري، والحلول في سوريا ليست حلولا إنسانية، إنما الحل الإنساني هو حل لمساعدة المتضررين من الحرب.

سوريا بحاجة إلى حل سياسي، بحاجة إلى إنهاء الحرب، بحاجة لأن تنتهي هذه الحرب الدامية الضروس التي دامت 10 أعوام. الناس لا بد أن يعودوا إلى أماكن سكنهم، لا بد أن يعود الأطفال إلى مدارسهم، والعاملون إلى مزارعهم أو مصانعهم أو أي طريقة كانوا يكسبون بها الرزق، وأن يعود الجميع إلى بيوتهم، هذا هو الحل المطلوب، إنهاء الصراع والنزاعات وعودة السلام إلى سورياـ هذا هو الحل وهذا هو الطلب الأول للجميع، ما دون ذلك سيبقي الأمور على ما هي عليه.

العمل الإنساني هو عمل مساعد فقط لإبقاء الناس على قيد الحياة في مواجهة الصعاب، ولكن لا يوجد حل لإنهاء النزاع عن طريق العمل الإنساني. نعم العمل الإنساني هو حل مساعد ومساعد جدا في إعادة الأمن وبناء الثقة، لكن الحل الذي ينتظره الجميع هو حل سياسي، هو إنهاء الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن.

أخبار الأمم المتحدة: بعد 10 سنوات على الصراع، كيف ترى أمل إنهاء الحرب في سوريا؟

مهنّد هادي: لا يمكن أن نتخلى عن الأمل. بل على العكس، نحن من خلال المساعدات الإنسانية ومن خلال الدور الإنساني ندعم الأمل عند المواطن السوري أينما كان.

واجبنا دائما أن نتحلّى بالصبر، وأن نؤكد للمجتمع وللشعب السوري أن الأمل موجود. بدون أمل لا يستطيع الإنسان أن يعيش، وكما قلت، هي مساعدات نقدّمها ونقدّم معها الأمل، سواء الطرود الغذائية التي يقدّمها برنامج الأغذية العالمي، أو برامج التعليم التي تقدّمها اليونيسف، أو برامج الحماية، هذه المساعدات كلّها توفر الأمل للمواطن السوري، الأمل بإنهاء الأزمة، رغم كل الخسائر ورغم كل الدمار والوفيات ورغم الأشخاص التي فُقدوا وهجّروا، لكن الأمل موجود.

الأمل موجود في أن تعود سوريا كما كانت قبل الحرب، وأن يقوم الشعب السوري ببناء بلده حتى تعود الأمور كما كانت.

Soundcloud