منظور عالمي قصص إنسانية

كيف يمكن للأمم المتحدة المساعدة في منع كارثة مماثلة لانفجار بيروت؟

بقايا صوامع الحبوب في مرفأ بيروت. حيث تدمرت الصوامع وتسبب ذلك في أزمة إمدادات غذائية حادة في لبنان.
WFP/Malak Jaafar
بقايا صوامع الحبوب في مرفأ بيروت. حيث تدمرت الصوامع وتسبب ذلك في أزمة إمدادات غذائية حادة في لبنان.

كيف يمكن للأمم المتحدة المساعدة في منع كارثة مماثلة لانفجار بيروت؟

التنمية الاقتصادية

لفت الدمار، الذي سببته انفجارات بيروت، في 4 آب / أغسطس، الانتباه إلى المخاطر التي ينطوي عليها نقل وتخزين البضائع الخطرة في جميع أنحاء العالم. تقود الأمم المتحدة الجهود الدولية للحد من هذه المخاطر وإنقاذ الأرواح. وقد حشدت العديد من مكاتبها ووكالاتها جهودها للاستجابة لتداعيات الكارثة المدمرة، وتقديم مساعدات الطوارئ، وتنسيق استجابة المجتمع الدولي.

تقدر تكلفة إعادة إعمار بيروت بعدة مليارات من الدولارات، وفي العاشر من آب/أغسطس، دعا مارك لوكوك، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، المانحين إلى "العمل معا وتسلم زمام المبادرة" لمساعدة الشعب اللبناني.

التعرض للمخاطر

بعد ثلاثة أيام من دعوة لوكوك، أصدرت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين، بيانا استنكرت فيه "مستوى اللا مسؤولية والإفلات من العقاب المحيط بالدمار البشري والبيئي" في المدينة، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل يوضح المسؤولية عن الكارثة ويحقق العدالة والمساءلة.

كما دافع الخبراء، في بيانهم، عن حق اللبنانيين في الحصول على معلومات واضحة ودقيقة حول المخاطر الصحية والبيئية التي يتعرضون لها.

وفقا لـ Small Arms Survey، وهي منظمة بحثية مقرها جنيف، سويسرا، قتل عشرات الآلاف من الأشخاص في انفجارات غير مخطط لها في مستودعات الأسلحة على مدى العقود الأربعة الماضية.

اتباع القوانين

منذ عدة سنوات، تم تداول العديد من القواعد واللوائح المتفق عليها دوليا بشأن نقل البضائع الخطرة، مثل المدونة البحرية الدولية للبضائع الخطرة، التي نشرتها المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومدونة قواعد ممارسات منظمة العمل الدولية بشأن السلامة والصحة في الموانئ.

أحد أفراد الطواقم التي سارعت لبيروت يعاين الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدينة بعد الانفجار.
OCHA

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة يمكنها دعوة الدول إلى صياغة هذه القواعد والمبادئ التوجيهية، إلا أن الدول نفسها مسؤولة عن التأكد من اتباع هذه القواعد، كما يوضح ألفريدو باروكين-أولسون، رئيس تنسيق الشحنات والتعاون التقني في المنظمة البحرية الدولية في حوار أخبار الأمم المتحدة.

تقع عملية المراقبة على عاتق شركات الشحن، وتقع على عاتق كل دولة مسؤولية التحقق من تطبيق اللوائح وتنفيذها بشكل صحيح. إذا لم يتم اتباع الإجراءات، فستكون هناك ثغرات بالطبع. وما حدث في بيروت يمثل دليلا واضحا على ذلك.

وأضاف المسؤول الأممي:

"لا يسعنا إلا الأمل في أن يؤدي هذا النوع من الكارثة إلى زيادة الوعي العام بالمخاطر التي تنطوي عليها. ونحن على يقين بأن العديد من الموانئ تلقي نظرة فاحصة على نوع المواد الخطرة الموجودة بحوزتهم، ونقوم الآن بمراجعة إجراءاتهم ".

تأطير المشكلة

تم تضمين مسؤولية الحكومات في جميع أنحاء العالم فيما يتعلق بتحديد المخاطر، في إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث، وهو أول اتفاقية ضمن جدول أعمال 2030، والذي تم تبنيه في عام 2015. ويحدد الإطار كيف يمكن للدول الأعضاء تقليل المخاطر. ويدعو الدول الأعضاء إلى الانتهاء من استراتيجياتها للحد من مخاطر الكوارث بحلول نهاية هذا العام.

مامي ميزوتوري هي مديرة مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، الوكالة الأممية الرائدة في مجال المخاطر والقدرة على الصمود، والمكلفة بالإشراف على تنفيذ إطار عمل سنداي.

قالت مامي ميزوتوري لأخبار الأمم المتحدة إنه في حين أن استجابة الأمم المتحدة الحالية في بيروت تركز بالضرورة على الاحتياجات الفورية للمواطنين المتضررين، إلا أنه من المهم أيضا مناقشة كيفية تقليل احتمالية وقوع حادث مماثل يضرب المدينة في المستقبل.

سفينة حاوياتا تفرغ حمولتها في أحد الموانئ.
IMO
سفينة حاوياتا تفرغ حمولتها في أحد الموانئ.

 

هل سيحدث مرة أخرى؟

وقالت مديرة مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث:

"يتمثل جوهر إطار عمل سنداي في تحويل الانتباه من الاستجابة للكوارث إلى تغيير السلوك، حتى نتمكن من التخفيف من المخاطر الناجمة عن الكوارث قبل وقوعها، ومن خلال القيام بذلك، يتم تقليل الوفيات والخسائر الاقتصادية، وزيادة احتمالية تحقيق أهداف التنمية المستدامة. باختصار، يتعلق الأمر بالوقاية وبناء القدرة على الصمود في المستقبل."

وأضافت السيدة ميزوتوري: "الموانئ هي بنية تحتية مهمة وخدمات أساسية، ويجب بناؤها بطريقة تأخذ في الاعتبار جميع أنواع المخاطر، بما في ذلك أنواع البضائع التي يتم إحضارها إلى الميناء".

بيروت تذكير صارخ بأن الكوارث لا تنتظر بدورها لتضربنا،  مديرة مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث

"لدينا قواعد ولوائح دولية قوية فيما يتعلق بتشغيل الموانئ، وطرق تخزين المواد، ولكن غالبا ما نرى أن اللوائح لا يتم تنفيذها. تحتاج الحكومات إلى الاستثمار في الأشخاص المناسبين والبنية التحتية المناسبة. إذا لم يحدث هذا، فسنشهد تحول المزيد من المخاطر التكنولوجية إلى كوارث، سواء كان ذلك في ميناء أو منجم أو منشآت صناعية كبيرة أو في محطات الطاقة النووية.

عندما لا يكون لدينا ما يكفي من إدارة المخاطر، تزداد احتمالية وقوع حدث كارثي. بيروت تذكير صارخ بأن الكوارث لا تنتظر بدورها لتضربنا."

الوقاية تؤتي أكلها

رسالة المسؤولين الأمميين تكمن في أن القواعد والأنظمة الجديدة ليست مهمة بالضرورة. والأهم من ذلك، هو التغيير في سلوكنا والطريقة التي نعامل بها المخاطر في طريقة حياتنا، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الوطني.

ويشير السيد باروكين - أولسون إلى أن العاملين في الموانئ لا ينبغي بالضرورة أن يتحملوا اللوم عند وقوع كارثة.

"يحتاج الموظفون إلى الدعم من قبل مؤسساتهم، التي لديها قواعد وأنظمة قوية متاحة لهم. في بعض الأمثلة التي رأيناها، لم يكن الموظفون مدربين تدريبا جيدا، لكن في حالات أخرى، رأينا أن هناك نقصا في الإجراءات الداخلية داخل الإدارة ككل. على سبيل المثال، يجب أن تكون هناك سياسة واضحة تحدد المسؤول عن تخزين هذه البضائع حتى اللحظة التي يتم شحنها على متن السفينة."

يقيّم العاملون في لبنان حجم الأضرار الناجمة عن انفجار بيروت.
© UNOCHA
يقيّم العاملون في لبنان حجم الأضرار الناجمة عن انفجار بيروت.

 

بالنسبة للسيدة ميزوتوري، فإن جزءا من الإجابة هو أن تضع البلدان الحد من مخاطر الكوارث في صميم عمل الحكومة:

"تحتاج البلدان إلى تمويل ذلك، وإنشاء وكالات وطنية لإدارة الكوارث، مرتبطة بجميع الوزارات الأخرى، العاملة مباشرة تحت رئاسة رئيس الدولة، أو مكتب مجلس الوزراء، لضمان أن يتمكنوا من تولي مسؤولية وضع الوقاية في صميم صنع السياسات.

تكمن الصعوبة بالطبع في إقناع الناس بأن الأمر يستحق صرف أموال في شيء قد يحدث فقط كل 30 أو حتى 100 عام. مهمتنا هي المساعدة في توضيح أن الاستثمار في الوقاية يؤتي أكله."