في يومها الدولي، اللغة الأم تتربع على عرش اللغات لما لها من دور في تعزيز التعدد اللغوي وبناء الجسور

كل عام، تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للغة الأم لرفع الوعي بضرورة تعزيز التعدد اللغوي والثقافي. واللغة الأم هي اللغة التي نتعلمها أولا، والتي نستخدمها كثيرا، وهي اللغة التي نتعرف عليها أو التي نُعتبر متحدثين أصليين لها.
وفي اليوم الدولي للغة الأم، تدعو اليونيسكو إلى الحفاظ على الاختلافات في الثقافات واللغات بغية تعزيز التسامح واحترام الآخرين.
ويركز احتفال عام 2022 على موضوع "التحديات والفرص لاستخدام التكنولوجيا في التعليم متعدد اللغات."
أخبار الأمم المتحدة أجرت هذا الحوار عبر تقنية الفيديو مع السيدة بشرى بغدادي عدرة، رئيسة الرابطة الوطنية لأساتذة اللغة الفرنسية في لبنان، ورئيسة لجنة العالم العربي في الاتحاد الدولي لأساتذة اللغة الفرنسية، للحديث عن اللغة الأم وتعدد اللغات.
بشرى بغدادي عدرة: أود بداية التقدم بالشكر لكِ وللمؤسسة التي نحترمها ونجلّها والتي تسعى دائما إلى العمل لتأمين التقارب بين شعوب الدول عامة.
بالنسبة للسؤال، عندما نتكلم عن اللغات، أرى من الضروري العودة إلى اعتبار أي لغة كأداة تفكير وتعبير عن مشاعر وعن أحاسيس وعواطف وأفكار الأفراد في المجتمع، كما أنها وسيلة تواصل علمي وتبادل فكري وثقافي وهي أيضا حافظة للهوية وللانتماء، وحافظة لتراث الفرد الملموس وغير الملموس، وحافظة لثقافة الفرد بمختلف الميادين.
انطلاقا من ذلك، تعرُف الفرد على لغات أخرى يتيح له التعرّف على ثقافة الناطق بغير لغته والتواصل معه والتعرف إليه والتعامل معه كفرد من أفراد المجتمع.
الفرد الآخر قد يكون مختلفا، غير أن الاختلاف يكون مصدر غنى وركيزة للاندماج في مجتمع يحلو به العيش معا.
بشرى بغدادي عدرة: أعتقد أن الدراسات والأبحاث عن اللغات كثرت مع وعي المسؤولين في مختلف دول العالم، وفي الدول العربية خاصة، عن أهمية اللغات في عملية التربية والتعليم، وعن الدور الذي تلعبه في تكوين شخصية الفرد وتعليمه وتثقيفه والوصول به إلى أسمى درجات الحضارة والرقي.
وانطلاقا من هذا الوعي، أدرجت الدول العربية في مناهجها تعليم اللغات الأجنبية، ولكن هناك تفاوت بين المرحلة التي تبدأ فيها كل دولة بتعليم اللغة الأجنبية. وتسعى الدول العربية إلى أن يصل التلميذ إلى المرحلة الثانوية، متمكنا من لغته الأم أولا، ولكن يمكنه التواصل بإحدى اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، كاللغة الإنجليزية أو الفرنسية.
الاهتمام بتعليم اللغات يتزايد في الدول العربية في عصر العولمة واقتصاد المعرفة، وانطلاقا من وعي المسؤولين عن السياسات التربوية بأن إتقان لغة أجنبية أو أكثر إلى جانب اللغة الأم يؤمّن فرص نجاح أكثر للتلاميذ والطلاب في حياتهم العلمية والعملية وفي اكتساب المزيد من المعرفة التي تصلنا عبر اللغات الأجنبية.
بشرى بغدادي عدرة: أعتقد أن الاهتمام بتعليم اللغة الأجنبية قد يسبّب ذلك في بعض الدول - وهذا للأسف - وخاصة حسب معلوماتي وحسب تواصلي كرئيسة جمعية لأساتذة اللغة الفرنسية مع بعض الزملاء الذين يدرّسون اللغات الأجنبية في الدول العربية. هناك معاناة خاصة في بعض الدول. ولكن في الواقع هناك عدم وعي بأهمية إتقان اللغة العربية في الوقت الذي يسعى الأجانب إلى تعلّم اللغة العربية، للأسف في بعض المجتمعات العربية بطبقات معيّنة نفتخر بأننا نعلّم أبناءنا التواصل باللغات الأجنبية. هذا واقع أليم، يجب أن نسعى إلى تحسين هذا الواقع والتشجيع على التواصل باللغة العربية في الدول العربية.
7000هذا هو عدد اللغات المنطوق بها في شتّى بقاع الأرض 🌎 اليوم.التنوع اللغويّ هو كنزنا المشترك الذي يزخر بالتراث الثقافي والفكري. علينا الحفاظ عليه.21 شباط/فبراير هو #اليوم_الدولي_للغة_الأمhttps://t.co/mfdsJ5nx2T pic.twitter.com/E99HITWqVo
UNESCOarabic
بشرى بغدادي عدرة: إذا سلّمنا بأن اللغة الإنجليزية هي لغة التكنولوجيا، يمكننا القول إن تعلّم اللغة الإنجليزية أصبح بمتناول من يريد عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة. غير أن هناك دولا تهتم بلغتها، في الدول الأوروبية مثلا مثل الفرنسية والإسبانية والألمانية. وهناك أذكر الإطار المرجعي الأوروبي الذي اعتُمد من قبل الدول الأوروبية لتعليم اللغات وفقا للمستويات التعلّمية. هناك أيضا اهتمام بتكنولوجيا تعليم اللغات من قبل دول أخرى.
بالنسبة للدول العربية، أدخلت في مناهجها تعليم اللغات الأجنبية، ورغم العوائق التي تحول دون تطبيقها عبر التكنولوجيات الحديثة، فهناك بالواقع في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر فيها بعض الدول العربية، معاناة في مجال التربية والتعليم الجيد للجميع، ومنها إيصال وإدراج التكنولوجيا الحديثة في أساليب التعليم، ولكن هناك جهود لا بأس فيها في الدول العربية، وانطلاقا من توصيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) وجامعة الدول العربية بالنسبة للاهتمام بتعلّم اللغات وإدراج التكنولوجيا في تعليم اللغات.
وهناك خطوة قامت بها الدول العربية وتسعى إلى المزيد لإدراج التكنولوجيا في تعليم اللغات الأجنبية واللغة العربية.
بشرى بغدادي عدرة: إذا كنا نتكلم عن المدرّس في كل الدول، فإن التكنولوجيا في التعليم ساهمت في إنتاج واستخدام الأجهزة والأدوات والآلات وساهمت في حل بعض المشكلات التعليمية في كل دول العالم، كمشكلة العدد أو النقص في أعداد الأساتذة المؤهلين عبر التكنولوجيا، ويمكن للطرائق التكنولوجية أن تحل هذه المشكلة. وساهمت في إنتاج مواد تعليمية متطورة يستفيد منها المتعلّم والمعلم.
غير أن هذه التكنولوجيا لا تفي بالغرض للنهوض بالتعليم، إلا إذا تكاملت مع وجود العنصر البشري.
فالعنصر البشري المستخدِم للأجهزة والآلات أي المعلم والإداري والفني المؤهل لتحضير المواد التعليمية، ولتطوير ذاته وسعيه للتدريب المتواصل وللسعي الدائم إلى عملية تجويد نوعية التعليم عبر الوسائل السمعية البصرية التي تجذب أكثر المتعلم عبر التعليم التفاعلي، عبر الصوت والصورة، والتي تحفز في الواقع المتعلِم على تعلّم لغته الأم واللغات الأجنبية.
بشرى بغدادي عدرة: البحث في التحديات هو موضوع شيّق جدا بالنسبة لي. بالنسبة لي شخصيا، أول التحديات هي القدرة على التعامل مع أدوات وبرامج ووسائل التكنولوجيا في التعليم متعدد اللغات.
هذه القدرة يمكن أن يحصل عليها المعلم العربي عندما نؤمّن له أولا إمكانية الحصول على الأدوات اللازمة، إن كان في المدينة أو كان في القرية لتأمين التعليم للجميع. إمكانية الفرصة على الحصول على اللوحات التفاعلية، على الهواتف الذكية، هذا ضروري جدا ومن التحديات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أكثر الدول العربية، باستثناء بعض الدول المتطورة والتي لا تمر بأزمات اقتصادية.
ثانيا، من التحديات إمكانية التدريب المستمر للمعلم على استخدام التكنولوجيا في الفصول، وإدراج التكنولوجيا في الفصول الدراسية. التعليم عن بُعد خلال جائحة كورونا، أثبت أن هناك عدم فهم لطرائق التعليم عن بُعد، ونحن نعلّم التعليم عن بُعد وكأننا نعلّم التعليم حضوريا. لذلك هناك ضرورة – وأهم التحديات – هي تدريب وتأهيل المدرّس على طرائق التعليم عن بُعد وإدراج التكنولوجيا.
وتحدٍ آخر هو تعزيز التعليم التشاركي. إذا لم نعزز التعليم التشاركي لا نستطيع بالواقع أن نستفيد لا من التعليم الحضوري ولا من التعليم عن بُعد.
حل مشكلة التفاوت هي من التحديات، بين المدارس والطلاب والأهل، هذه (المشكلة) من أهم التحديات.
وحل مشكلة التكلفة العالية لإدراج التكنولوجيا، وحل مشكلة العمل على الحفاظ على التواصل المباشر بين الطلاب والأساتذة وتشجيع الأنشطة الجماعية كي لا نخسر إمكانية التفاعل مع الآخر حضوريا، ومباشرة.
بشرى بغدادي عدرة: هذا موضوع أيضا شيّق جدا ويتطلب المزيد من الدراسات والإحصاءات كي نتمكن من معرفة أهمية تعليم اللغة الأم في الصفوف الأولى من التعلّم.
أثبتت الدراسات والأبحاث عن أهم الأسس والطرائق لتعليم اللغات الأجنبية أن التعلّم باللغة الأم في السنوات الأولى من عمر الأطفال هو ركيزة أساسية لتمكن المتعلم من تعليم اللغات الأخرى، وهذا أثبت في عدة دراسات وهو أيضا ما ورد في توصيات اليونسكو التي نتجت عن دراسات وأبحاث في عدة دول.
الاعتماد على اللغة الأم في السنوات الأولى الذي توصي به اليونسكو يجب على المعنيّين بالشأن التربوي الالتزام به. للأسف ليس هناك التزام كافٍ بهذه التوصية، ولكن علينا الالتزام به سعيا لتأمين جودة تعليم اللغات في مجتمع تتزايد يوميا فيه الحاجة إلى التواصل والاندماج والعيش معا بأمان وسلام.
بشرى بغدادي عدرة: إن تعزيز اللغة الأم، لغة هوية الفرد، والحاضنة لتاريخه وتراثه وثقافته، باستطاعته خلق تأثير ثقافي إيجابي عندما يستطيع الفرد الناطق والمتمكن من لغته الأم تعلّم أكثر من لغة أجنبية إلى جانب لغته الأم. إن معرفة إمكانية التواصل بلغة أجنبية تتيح للفرد التعرّف على الآخر وعلى مفاهيمه وقيمه، والتقرب منه وتقبل الاختلاف، ونعني أن هذا التواصل يمكن أن يساعد الفرد على اكتشاف النواحي الإنسانية عند الآخر، والتقرّب منه والعيش معه بسلام والاندماج بأنام.
يقول أحد الشعراء العرب: "بقدر لغات المرء يكثر نفعه فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا.. فلكل لسانٍ بالحقيقة إنسان."
--==--
الأستاذة بشرى بغدادي عدرة هي رئيسة جمعية الرابطة الوطنية لأساتذة اللغة الفرنسية في لبنان (ANEFL)، ورئيسة لجنة العالم العربي (CMA)في الاتحاد الدولي لأساتذة اللغة الفرنسية (FIPF).
وقد عملت كمستشارة سابقة لرئيس مجلس الوزراء ووزراء التربية والتعليم العالي في لبنان ومسؤولة مكتب التعاون الدولي والفرنكوفوني.
وهي المراسلة الوطنية السابقة لمؤتمر وزراء تربية الدول الناطقة باللغة الفرنسية(CONFEMEN) .
ونظمت السيدة بغدادي وشاركت بتمثيل لبنان بالعديد من المؤتمرات الدولية (اليونسكو ، جامعة الدول العربية، المجلس الاقتصاديوالاجتماعي- الألكسو -مكتب التربية الدولي -UEAUF–(OIF .
كما شاركت بتأليف العديد من الكتب المدرسية لتعليم اللغة الفرنسية في لبنان والبلدان الناطقة بالفرنسية في العالم العربي.
وعملت كخبيرة استشارية في التعاون الدولي (مشاريع تربوية وثقافية- تدريب - طرائق تدريس اللغات).