منظور عالمي قصص إنسانية

حوار خاص: بإمكانيات بسيطة، وموارد متاحة.. هكذا حارب شباب يمنيّون كورونا في مجتمعاتهم 

خلال الجائحة، شبان مثل عامر الزريقي ساهموا في جهود الوقاية من الإصابة بالعدوى.
Amer Zuraiqi
خلال الجائحة، شبان مثل عامر الزريقي ساهموا في جهود الوقاية من الإصابة بالعدوى.

حوار خاص: بإمكانيات بسيطة، وموارد متاحة.. هكذا حارب شباب يمنيّون كورونا في مجتمعاتهم 

الصحة

خلال ذروة جائحة كوفيد-19، لم يجد بعض الشباب في اليمن بديلا عن النهوض بأنفسهم في حملات لتوعية المجتمعات المحلية بخطورة هذا الفيروس، فأتقنوا صنع الكمامات المحلية، والمعقمّات بل وذهب البعض إلى صيانة أجهزة التنفس على الرغم من الإمكانيات الشحيحة.

المهندس عامر الزريقي هو واحد من أولئك الشباب الذين لم يجدوا بدّا من التحرك بسرعة لمساعدة مجتمعه في تعزّ على تجنب الإصابة بالمرض وانتشار الفيروس في بلد منهكٍ بالحروب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلا. 

وقد عمل الزريقي متطوعا في عدد من المؤسسات، واشتغل مع مؤسسة "البحث عن أرضية مشتركة" التي كان يدعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ووجد عامر نفسه - هو وزملاؤه - في موقف يستدعي العمل من أجل مساعدة مجتمعاتهم المحلية بشتى الطرق.

أخبار الأمم المتحدة حاورت عامر الزريقي عبر تقنية الفيديو.

أخبار الأمم المتحدة: هل من الممكن أن تعرّفنا أكثر عن نفسك وما هو مجال عملك؟

عامر الزريقي: أعرفكم عن نفسي، أنا أدعى عامر الزريقي مهندس ميكاترونكس، من الجمهورية اليمنية وتحديدا من تعز. تخرجت من جامعة تعز-هندسة، وأنا أيضا طالب دراسات عليا (ماجستير) في تخصص إدارة الأعمال.

أعمل في المجال الإنساني والتنموي. لي ما يقارب من ثمانية أعوام في العمل التنموي والإنساني. بالإضافة إلى أنني أعمل في المجال الهندسي.

المهندس عامر الزريقي، شاب يمني ساهم في رفع وعي مجتمعه المحلي إزاء مخاطر كورونا

أخبار الأمم المتحدة: يمتاز مجال عملك في المجال الإنساني والتنموي بنشاط قمتَ به في المجتمع للتوعية بشأن مخاطر كورونا. حدّثنا أكثر عن ذلك.

عامر الزريقي: بالطبع كما ذكرتُ أنا مهتم جدا بالعمل التوعوي والإنساني والتطوعي، منذ ثمانية أعوام، بحكم الظروف التي يمر بها بلدي اليمن من أزمة وحروب ومعاناة شديدة، حاولت أن أتجه إلى هذا المجال بشكل ذاتي وشخصي.

كان المجال في البداية تطوعيا في الأغلب، مع مشاريع إنسانية وتنموية. وعندما اجتاحت كورونا العالم واليمن تحديدا، كان يتوجب ويتحتم علينا أن نساهم في توعية المجتمع بشكل كبير وواسع. واجهنا في البداية صعوبة كبيرة، بحكم إنكار الكثير في المجتمع اليمني لموضوع فيروس كورونا. 

بذلنا جهودا جبّارة كي نقنع المجتمع بخطر الفيروس الذي لم تتحمله المنظومات الصحية لدول عظمى

وقد بذلنا جهودا جبّارة كي نقنع المجتمع بخطر الفيروس الذي لم تتحمله المنظومات الصحية لدول عظمى. فشكّلنا فرقا ومبادرات ذاتية على مستوى محافظة تعزّ. بدأنا بالقيام - خطوة بخطوة – في توعية المجتمع بمخاطر الفيروس وكيفية تجنبه وما هي السبل والإمكانيات المتاحة التي يمكن أن تحدّ من الهجوم الشرس لفيروس كورونا.

بعد ذلك، بصراحة ظهرت حالات كثيرة ووفيات كثيرة حتى عانينا على المستوى الشخصي حيث توفي عدد من الجيران والزملاء، وهنا شعر المجتمع المحلي بخطر الفيروس، فأصبحت الأمور أسهل واتجهنا إلى توزيع الأدوات الصحية من وسائل حماية ووقاية مثل الكمامات والمعقمّات وما إلى ذلك.

في البداية كان الأمر بجهود ذاتية وبحكم أنني كنت أعمل مع العديد من المنظمات والمؤسسات. كنت أعمل مع منظمة "البحث عن أرضية مشتركة" كنت أعمل لديها في فترة من الفترات في مجال النزاعات، لكن بعد اجتياح كورونا استدعى أن نقوم بحملة خاصة للوقاية من فيروس كورونا. وقمنا بحملة على نطاق واسع في محافظة تعز وكانت تستهدف في المرحلة الأولى ما يقارب ألف أسرة لتوعيتها والتوجه إلى منازلها تجنبا للتجمعات والاختلاط.

التباعد البدني في اليمن خلال عام 2020.
MFD/Elyas Alwazir
التباعد البدني في اليمن خلال عام 2020.

أخبار الأمم المتحدة: وهل هذه الحملات لا تزال مستمرة؟ أم أن خطر كورونا انحسر سريعا في تعز ومناطق أخرى؟

عامر الزريقي: ضمن الحملة، قمنا بتشكيل فرق رسمية بمبادرات ذاتية. على مستوى محافظة تعز كانت المبادرة كبيرة، وقد أسستُ أنا وفريق من استشاريين من الصندوق الاجتماعي هذه المبادرة، كنت أنا منسق محافظة تعز. وشكلنا العديد من الفرق - ما يقارب 30 فرقة في محافظة تعز على مستوى المجتمعات المحلية. 

كانت الفرق تقوم بالتوعية الذاتية وبتدريب المجتمع على كيفية استخدام الوسائل المتاحة للوقاية من كورونا، كصناعة الكمامات بشكل شخصي وصناعة المعقمّات. واستمرت أعمال المبادرة بشكل كبير آنذاك خلال ذروة انتشار كورونا.

الآن نحن نواجه متغيّر أوميكرون، وهو ما يستدعي منا نحن كشباب تكثيف المبادرات للوقاية من كورونا.

أخبار الأمم المتحدة: بالإضافة إلى إنكار المجتمع في البداية للجائحة، ما هي أبرز التحديات الأخرى التي كانت في المرصاد؟

عامر الزريقي: قلة الوعي كانت إحدى الصعوبات. لكن بالجهود المكثفة والمبذولة استطعنا التغلّب على هذه الصعوبات. إلا أننا نواجه صعوبات كبيرة في قلة وشح الإمكانيات التي من خلالها إن توفرت يمكن أن ننتشر على مستوى أوسع وتغطية مناطق أوسع، ومواجهة الفيروس بوسائل أكثر حداثة من ضمنها الكمامات والمعقمات وما إلى ذلك. 

هذه الوسائل بسيطة لكن في الواقع لها أثر كبير جدا، ونحن نعاني من انهيار كبير في المنظومة الصحية، وهذه المعاناة كانت حتى قبل كورونا، فما بالك بعد انتشار الفيروس؟

سيّدة تسير في تعز، حيث مزّقت الحرب المدينة.
© WFP/Hussam Al-Sharmani
سيّدة تسير في تعز، حيث مزّقت الحرب المدينة.

أخبار الأمم المتحدة: بصفتك مهندسا، كيف توظف خبرتك ومهارتك في خدمة المجتمع؟

عامر الزريقي: في بداية الحرب كانت لي مساهمة بعيدا عن كورونا، اخترعت روبوتا لاكتشاف الألغام، وحصلت على براءة اختراع بموضوع روبوت الكشف عن الألغام. وبعد ظهور كورونا، كوني مهندسا، أولا كنت أحد المساهمين بصيانة أجهزة التنفس الصناعي رغم أنها شحيحة وقليلة في المستشفيات اليمنية، لكن حاولت بشكل ذاتي أن أستخدم مهاراتي وإمكانياتي في المجال الهندسي وأن أعمل على صيانة الأجهزة التالفة التي لم تُستخدم لفترة طويلة.

في بداية الحرب كانت لي مساهمة بعيدا عن كورونا، اخترعت روبوتا لاكتشاف الألغام

أيضا، من ضمن وسائل الوقاية والحماية لمواجهة كورونا في الأماكن المزدحمة، عملت أنا وفريق المهندسين على صناعة "معقمّة آلية" وضعناها في الأماكن المزدحمة مثل الجامعات والأسواق والمستشفيات، وتعمل على تعقيم الداخلين والخارجين.

كذلك، كان ثمة مساهمة أخرى من قبل فريق هندسي كنت أحد الأعضاء فيه، في وضع تطبيق أطلقنا عليه "تكنو-وقاية" لإيصال الطلبات إلى المنازل، ويشبه فكرة أمازون لتوصيل الطلبات من أدوات صحية من الصيدليات وأيضا من المطاعم والبقالات إلى المنازل. 

وشاركنا فيه بمسابقة على مستوى اليمن نظمتها "منظمة شباب بلا حدود" في محافظة تعز، شارك فيها العديد من المهندسين. كنا إحدى الفرق الفائزة، لكن لم يتم تبني المشروع وتنفيذه على أرض الواقع بسبب الحاجة إلى إمكانيات مادية كبيرة ومتوسطة نستطيع من خلالها توفير الوسائل والأدوات لتوصيل الطلبات إلى المنازل.

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟ أنت أفدتَ المجتمع، لكن ما الذي استقيته من هذه التجربة؟

عامر الزريقي: بالطبع استفدت من التجربة وبشكل كبير. في الجانب الإنساني أو الذاتي تأثرتُ كثيرا أثناء احتكاكي بالمجتمع بشكل مباشر، عرفت مدى الأعمال البسيطة التي يمكن أن نقوم بها ويكون لها أثر كبير جدا.

شعرتُ أننا نحن كشباب متعلم أنه واجب علينا أثناء الأزمات أن نقوم بدورنا كجانب أخلاقي وإنساني، وشعرت بسعادة وفخر لأنني كنت أحد المساهمين في الحد من انتشار الفيروس ولو بشكل محدود.

على الجانب العملي، استطعت أن أخرج بقناعة وفكرة في كيفية استغلال الموارد والإمكانيات البسيطة والمتاحة وما لها من أثر كبير وبالغ. لدينا موارد بشرية متاحة قادرة على صناعة المعجزات. مثل صناعة الكمامات على المستوى المحلي والمعقمات بأدوات بسيطة، ومساهمة المهندسين في صيانة أجهزة التنفس الصناعي.

أريد أن أوصل رسالة مفادها بأننا إذا قمنا باستغلال الموارد المتاحة في المجتمع وعملنا على إدارتها بالشكل الصحيح، سنقدر على الخروج بنتائج جبّارة.

أخبار الأمم المتحدة: بالفعل، أردت أن أسألك عن رسالتك للشباب، خاصة أولئك الراغبين في المساهمة في مجتمعاتهم.

عامر الزريقي: رسالتي للشباب هي أننا نحن كشباب في هذا العمر لدينا طاقة كبيرة يمكن استغلالها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح، ونُحمّل مسؤولية لخدمة مجتمعنا في شتى المجالات. إذا لم نخدم المجتمع ونحن في عز طاقتنا، فمتى سنخدم مجتمعنا؟

معاناتنا في الجمهورية اليمنية متعددة القطاعات، سواء في الجانب الصحي الذي أثقله الفيروس كثيرا، وأيضا انهيار مؤسسات الدولة وانتشار الفقر والأمراض. يجب علينا كشباب أن نبذل كافة الطاقات والإمكانيات والمهارات التي نمتلكها كل في مجاله.

مثلا صاحب المهارات الطبية لا بد أن يستغلها، وكذلك أصحاب المهارات الإدارية ومن يمتلكون موارد مالية لا بد من تكثيف الجهود لنعيد بلدنا ونشكل أحد عوامل التعافي في عدة قطاعات ومجالات. توجد نماذج كثيرة للشباب اليمني الذي يساهم في مجتمعه كثيرا.

والعمل الإنساني والتطوعي أمر مهم جدا، يكسبك أولا مهارات ذاتية وشخصية. عندما تحتك بالمجتمع تشاهد قصصا ومواقف تصنع منك شخصا قادرا على بناء مستقبلك بشكل ذاتي على المدى البعيد.

أخبار الأمم المتحدة: شكرا جزيلا لك.