منظور عالمي قصص إنسانية

في اليمن.. مبادرة تساهم في تخليص المجتمعات من مشكلة النفايات عبر تحويلها إلى طاقة

قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الشركاء بإنشاء أول مبادرة من نوعها لتحويل النفايات إلى طاقة في عدد من مديريات اليمن.

مشكلة الوقود هي المشكلة الرئيسية التي سببت الكثير من المضاعفات في جميع القطاعات وعلى رأسها قطاع الطاقة

UNDP Yemen
قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الشركاء بإنشاء أول مبادرة من نوعها لتحويل النفايات إلى طاقة في عدد من مديريات اليمن.

في اليمن.. مبادرة تساهم في تخليص المجتمعات من مشكلة النفايات عبر تحويلها إلى طاقة

المناخ والبيئة

في اليمن، قُدّر إنتاج النفايات قبل الصراع بأكثر من أربعة ملايين طن، واليوم يرتبط الافتقار إلى جمع النفايات الصلبة وخيارات التخلص السليم منها ارتباطا مباشرا بالمشكلات الصحية مثل مستويات أعلى من الحساسية والربو وأمراض الجهاز الهضمي في المجتمعات المجاورة.

لكن، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – بالتعاون مع الشركاء – بإنشاء أول مصنع لتحويل النفايات إلى طاقة في اليمن – وبالتالي التخلص الآمن منها وإنتاج الطاقة في نفس الوقت.

تم افتتاح المحطة في لحج جنوبي اليمن في أيلول/سبتبمر 2021. حاليا يتم العمل على واحدة مماثلة في محافظة الحديدة شمال اليمن.

أخبار الأمم المتحدة أجرت هذا الحوار حول المبادرة* عبر تقنية الفيديو مع محمد سلّام، المتخصص بالطاقة المتجددة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

اليمن: أفكار خلاقة للتخلص من النفايات الصلبة وإنتاج الطاقة في نفس الوقت

أخبار الأمم المتحدة: حدّثنا أكثر عن هذه المبادرة، كيف بدأت الفكرة وماذا كان الهدف منها.

محمد سلّام: في الحقيقة هذه المبادرة هي جزء من أنشطة مشروع لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن، في مرحلته الثانية، المرحلة الأولى كانت تعزيز القدرة على الصمود في الريف اليمني.

هذا المشروع يتكون من أربعة مكونات، المكون الأول هو سبل العيش والمكون الآخر هو التماسك المجتمعي والثالث هو الحوكمة المحلية والمكون الرابع هو الطاقة.

ضمن مكوّن الطاقة، يوجد هدفان رئيسيان، الأول هو استعادة خدمة الكهرباء في المرافق الحكومية والخدمية كمرافق التعليم (المدارس) والمرافق الصحية، والمرافق الإنتاجية بشكل عام.

الهدف الثاني هو دعم أو تعزيز وخلق فرص عمل في مجال الطاقة المتجددة.

ومبادرة تحويل المخلفات إلى طاقة هي إحدى الأنشطة ضمن الهدف الثاني، والمبادرة ركزت على نقطتين رئيسيتين، الأولى هي مشكلة الطاقة في اليمن والثانية هي مشكلة المخلفات الصلبة في اليمن.

فيما يتعلق بمشكلة الطاقة في اليمن، حتى قبل الصراع الذي بدأ عام 2015، بلغ العجز في القدرة التوليدية 1,2 غيغا واط أو في أفضل الحالات 1,3 غيغا واط، (وهو قليل) مقارنة بحجم الطلب العالي جدا، إضافة إلى نمو الطلب بشكل سنوي.

والنقطة الأخرى هي المخلفات الصلبة، كانت القدرة على جمع ومعالجة المخلفات من قبل الجهات المسؤولة منخفضة - حتى ما قبل بدء الصراع – وازدادت المخلفات بشكل كبير بعد اندلاع الصراع.

أخبار الأمم المتحدة: ما أسباب ذلك؟

محمد سلّام: لها أسباب كثيرة، من الممكن أن يكون أحدها غياب الموارد المالية لدفع رواتب الموظفين، بعضها غياب وسائل النقل لجمع المخلفات، وأهم سبب هو مشكلة تأمين الوقود لوسائل النقل تلك.

ومشكلة الوقود هي المشكلة الرئيسية التي سببت الكثير من المضاعفات في جميع القطاعات وعلى رأسها قطاع الطاقة. فما قبل الصراع، كان نصيب استهلاك الفرد السنوي في اليمن واحدا من الأقل على مستوى العالم والآن بعد الصراع، انهارت الشبكة الوطنية بشكل كامل عن معظم أجزاء اليمن.

وللتأقلم مع الوضع، البعض توجه لخيارات الطاقة الشمسية الموجودة في السوق المحلية، والبعض أنشأ شركات قطاع خاص تقدم خدمة الكهرباء بشكل تجاري.

معدل سعر الكهرباء مقابل الوحدة الواحدة يصل اليوم إلى 50 أو 60 سنتا، وهذا الرقم مرتفع جدا مقارنة ببقية دول العالم.

قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الشركاء بإنشاء أول مبادرة من نوعها لتحويل النفايات إلى طاقة في لحج.
UNDP Yemen

 

 

أخبار الأمم المتحدة: كيف يتم جمع النفايات؟ هل تتوجهون إلى المنازل، أم يقبل السكان إلى مراكز معينة لنقل نفاياتهم؟ وكيف يتم تحفيزهم على فعل ذلك؟

محمد سلّام: في الحقيقة، عندما بدأت هذه المبادرة، كان لا بد النظر في سلسلة إمدادات المخلفات، بداية من جمعها، نهاية إلى معالجتها. فهذه المبادرة هي عبارة عن إنشاء أعمال صغيرة ووقع الاختيار على أشخاص من المجتمع الذي أقيمت فيه هذه المحطة، وتم تدريبهم تدريبا تجاريا وفنيا وتم إنشاء نقاط لجمع المخلفات ونقاط لفرزها، ومن ثمّ نقلها والمعالجة في المحطة، وبعد ذلك بيع المنتجات النهائية.

هذه المبادرة في الأساس هي عبارة عن شراكة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام.. يعمل القطاع الخاص على إدارة هذه المحطة وتشغيلها.

نقاط الجمع الأساسية تقوم بجمع المخلفات من مصادرها الأساسية ومن ثمّ ترسلها إلى موقع المحطة. للقيام بذلك، ثمة حاجة لتأمين وسائل نقل، لذلك تم تزويد المحطة والمستفيدين منها بحوالي سبعة أو ثمانية من مركبات "التوك توك" التي تعمل بالطاقة الشمسية – المبادرة تستخدم المصادر الخضراء، بعيدا عن الوقود.

وتنتقل النفايات عبر التوك توك إلى مجموعة الفرز الموجودة عند المحطة نفسها، وتقوم مجموعة الفرز بفرز المخلفات لكل نوع وحده، ثم وزنها وبيعها.

ثمة مصدران رئيسيان لإنتاج المخلفات: إما من المحافظة على مستوى المديرية، أو من المنازل نفسها.

لا يضطر أصحاب المنازل للتوجه إلى موقع المحطة، فقد تم إنشاء نقاط بيع لشراء المخلفات منهم، ويحصلون على مقابل مادي، ثم ينقلها التوك توك من نقطة البيع إلى موقع المحطة.

محمد سلام المتخصص في الطاقة المتجددة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.
UNDP Yemen
محمد سلام المتخصص في الطاقة المتجددة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.

أخبار الأمم المتحدة: أخبرنا أكثر عن هذه المحطة.

محمد سلّام: المحطة مكوّنة من جزئين رئيسيين. الجزء الأول هو معالجة المخلفات العضوية، الحيوانية، الزراعية، الأوراق والكرتون وغيرها – يُنتج منها غاز حيوي، ومن ثمّ تُستخدم في إنتاج الطاقة.

الجزء الآخر هو خط لإعادة تدوير مخلفات البلاستيك، فجميع أنواع البلاستيك يتم جمعها وشراؤها من الناس بحسب السعر السائد في السوق، ويتم إعادة تدويرها وإنتاج حبيبات البلاستيك ويتم بيعها فيما بعد.

يصاحب عملية إنتاج الكهرباء منتجات أخرى، إذا كانت مدخلات العملية أغلبها منتجات حيوانية، فالخارج من عملية المعالجة رماد يسموّنه "الآش" Ash، ويُستخدم كسماد للأرض الزراعية.

وإذا كانت المدخلات أغلبها زراعية، وبقايا خشب وكرتون وغيره، فيُستخدم الرماد في إنتاج الفحم.

الهدف من منتج الكهرباء هو توزيعه ونقله للمنازل المحيطة بالمجتمع. المنطقة التي أنشئت فيها المحطة هي منطقة زراعية، والآن بدأت عملية المساعدة في عملية الزراعة.

أخبار الأمم المتحدة: إذا لم يتم جمع كل هذه النفايات وإعادة تدويرها واستخدامها، فما الذي يحدث للنفايات في اليمن؟

محمد سلّام: في الوضع العادي وفي أغلب محافظات الجمهورية، يتم جمع النفايات ونقلها إلى المقالب الرئيسية، حتى عملية الجمع أو خدمة الجمع ليست مغطاة بالكامل – ربما فقط 20 إلى 30 في المائة. قد تشاهدين المخلفات في الأحياء وفي المدن والقرى. صندوق النظافة والصناديق المحلية قائمة بدورها، لكن هناك مشكلة في أغلب محافظات الجمهورية في المصادر المالية لتغطية رواتب الموظفين ووسائل النقل وارتفاع (سعر) الوقود في اليمن أصبح خياليا، وأيضا سعر لتر البنزين الواحد يُعتبر الأغلى على مستوى الدول العربية، أو من ضمن أغلى ثلاث دول على مستوى المنطقة.

أغلب المخلفات إذا جُمعت تصل إلى المقلب الرئيسي، وجميع أنواع المخلفات مختلطة مع بعضها البعض: مخلفات البناء، مخلفات المستشفيات، مخلفات المطاعم، مخلفات المنازل.

هذه المخلفات الموجودة في أغلب المحافظات في المقالب الرئيسية، مع عوامل الظروف الجوية المحيطة في المقلب، يتكوّن ما يُسمّى بالعصارة. هذه السوائل المتكونة من المخلفات تتسرب للأرض (التربة) فتدمر الأرض الزراعية، وإذا كانت قريبة من مصادر المياه تتسرب إلى مصادر المياه وتتسبب بكارثة في مياه الشرب النقية. وبقاؤها في الجو يتسبب بانبعاث غاز الميثان.

فيما يتعلق بمخلفات الطعام، في المحطة نفسها، لم تتوقف الخطة على ما هو موجود حاليا، فالقطاع الخاص يعمل حاليا على مرحلة التصميم، لإنشاء ما يُسمّى بتكنولوجيا التخمير اللاهوائي، وهي تكنولوجيا تُستخدم لمعالجة بقايا الطعام، مخلفات المطاعم بشكل أساسي، ويُنتج منها سماد عضوي. هذه في مرحلة التصميم حاليا وأعتقد أنه في الأشهر القليلة القادمة سيتم إدخال عملية معالجة مخلفات الطعام في المحطة نفسها.

شاب يمني يجلس على ركام منازل دمرتها الحرب.
UNDP Yemen
شاب يمني يجلس على ركام منازل دمرتها الحرب.

أخبار الأمم المتحدة: ماذا عن الخطط المستقبلية؟

محمد سلّام: على مستوى الخطة المستقبلية، المشروع ينتهي تقريبا بعد ثلاثة إلى أربعة أشهر، في المرحلة الثالثة التي تبدأ قريبا ويتم إنشاء العديد من المحطات المشابهة. كانت هذه المحطة عبارة عن مرحلة تجريبية لأنها الأولى من نوعها في اليمن، وأردنا أن نختبر الجدوى المالية والفنية والشراكة مع القطاع الخاص.

اختبرناها ونتائجها كانت جيدة. والآن يتم إنشاء العديد في مديريات أخرى في اليمن لأن مشكلة المخلفات قائمة في جميع أرجاء اليمن، ويتم العمل على زيادة القدرة الإنتاجية لهذه المحطات.

ونقوم بنقاشات أخرى مع وكالات الأمم المتحدة المختلفة لتعميم التجربة هذه على مستوى وكالات الأمم المتحدة الأخرى.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي التحديات أمامكم؟

محمد سلّام: العمل على مستوى الاستثمار، أو الشراكة مع القطاع الخاص، هو بحد ذاته يُعتبر تحديا. غياب سياسات تشريعية وبيئة تشريعية، غياب مخططات الدعم الحكومية، غياب الدعم الحكومي بشكل أساسي هو التحدي الأكبر.

دائما في الاستثمار تبدأ الأطراف بالنظر إلى البيئة الاستثمارية، والبيئة الاستثمارية في اليمن لا تزال غير ملائمة. وهذا هو التحدي الأكبر الذي واجه إنشاء هذه المبادرة.

عملنا قدر المستطاع على التشاور مع الجهات الحكومية المسؤولة، ومع السلطات الحكومية وجميع الأطراف الفاعلة في الموضوع، استطعنا خلق شراكة مع القطاع الخاص بنسب مساهمة معينة واستندنا لبعض التشريعات الموجودة في الحكومة اليمنية السابقة وتحدثنا مع السلطات والوزراء على مستوى الحكومة للحصول على الدعم في هذا الشأن بسبب غياب الخطط أو القوانين أو الاستراتيجيات الواضحة.

الوعي المجتمعي غير موجود في موضوع المخلفات. حاولنا الفرز على مستوى المنزل، فالمصدر نفسه يسهل العملية ويخفض التكلفة

حتى الآن في هذا المشروع، المنتج الأساسي لهذا المشروع هو الكهرباء، ويجب أن تكون هناك خطة واضحة أو استراتيجية واضحة أو دعم واضح من الحكومة. لكن كان غائبا، فاضطررنا للعمل "خارج الشبكة" حتى يأتينا الدعم الواضح من الحكومة في الربط مع الشبكة نفسها في التشريعات نفسها في القوانين نفسها حتى يكون الوضع قانوني، ويتم الدخول بعد ذلك في الشبكة.

أكبر التحديات هو غياب الوعي المجتمع. الوعي المجتمعي غير موجود في موضوع المخلفات. حاولنا الفرز على مستوى المنزل، فالمصدر نفسه يسهل العملية ويخفض التكلفة. عملنا كثيرا على جانب التوعية المجتمعية ولا نزال حتى الآن بعد إنشاء المشروع نقوم بتعزيز التوعية عبر الراديو والمطبوعات، لأن وعي مجتمع أعلى يساعد كثيرا في نجاح المشروع.

--==--

*هذه المبادرة هي واحدة من أنشطة مكون الطاقة المتجددة في مشروع دعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (الصمود الريفي 2) ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يعمل المشروع في 11 مديرية ضمن خمس محافظات. محافظة لحج هي واحدة من المحافظات الخمس، ومديرية تُبن، المديرية التي نشأ فيها المشروع هي واحدة من المديريات المستهدفة. كانت مديرية تُبن هي الأنسب لإنشاء المشروع نظرا للجدوى الفنية والمالية بالإضافة إلى توافر كمية ونوعية المخلفات اللازمة لعمل المحطة بشكل كبير.

تأتي هذه المبادرة نتيجة للشراكة والتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، وزارة المياه والبيئة، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهيئة حماية البيئة (عدن ولحج)، السلطات في المحافظة وإدارة الكهرباء (لحج)، والقطاع الخاص اليمني (شركة سحاب تك)، الاتحاد الأوروبي، الوكالة السويدية للتنمية والتعاون الدولي، ومرفق المناخ التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.