منظور عالمي قصص إنسانية

رياضة التجديف قلبت حياة اللاجئ السوري أنس الخليفة بعد أن "أقفلت الأبواب" أمامه

أنس الخليفة اللاجئ السوري وعضو في فريق اللاجئين البارالمبي.

الفرحة أكبر عندما يكون المرء مع أهله، أنا لم أر عائلتي منذ 11 سنة أو أكثر، وأتمنى أن أراهم قبل أن أفقد أحدا بعد الذين فقدتهم

Reinaldo Coddou H./Getty Images
أنس الخليفة اللاجئ السوري وعضو في فريق اللاجئين البارالمبي.

رياضة التجديف قلبت حياة اللاجئ السوري أنس الخليفة بعد أن "أقفلت الأبواب" أمامه

المهاجرون واللاجئون

من الحرب في سوريا إلى الغربة واللجوء في ألمانيا ثم الإصابة بشلل في الأطراف السفلية – يبدو وكأن مصاعب الحياة تثقل كاهل هذا الشاب، أنس الخليفة، لكنّه أبى أن يستسلم.

أنس الخليفة (28 عاما) من بلدة حماة في سوريا، والعضو في فريق اللاجئين البارالمبي (أو فريق اللاجئين الأولمبي لذوي الإعاقة)، قد اضطر إلى الابتعاد عن أسرته بسبب النزاع السوري الدائر. 

كان أنس شابا يافعا في مقتبل العمر عندما انتقل للعيش في أحد المخيمات على الحدود التركية-السورية، حيث أقام لمدة عامين قبل أن يقرر الرحيل باتجاه تركيا في عام 2014 ومن ثمّ إلى اليونان فألمانيا.

مسار الحياة تغير بالكامل

الهدف من ألمانيا كان مساعدة أسرته التي ظلت في سوريا. فبدأ أنس بالعمل في تركيب الألواح الشمسية على الأسطح، واستمر في هذه المهنة زهاء عامين حتى اليوم الماطر، 7 كانون الأول/ديسمبر 2018، حيث كان يعمل في مبنى مؤلف من طابقين عندما انزلق وسقط على الأرض.

وكانت هذه بداية حياة جديدة بالنسبة لأنس.

سقط أنس على ظهره مما تسبب في إصابة بالنخاع الشوكي أدت إلى شلل في أطرافه السفلية، وخضع بعدها لعدة عمليات جراحية وإعادة تأهيل لمدة سنة ونصف.

يقول أنس لأخبار الأمم المتحدة: " لا يوجد أي شيء يصف الأمر، ولكن الله بعث لنا أشخاصا طيبين جدا سواء في الكادر الطبي أو الحياة الاجتماعية كأصدقاء وكجيران، ساعدوني كثيرا".

وهناك تعلم اللغة الألمانية كي يتمكن من التواصل مع الأطباء والممرضين: "بالنسبة للغة الألمانية لم تكن سهلة، الأمر الوحيد الذي أردت فعله عندما جئت إلى هنا هو تعلم اللغة، ولكن في نفس الوقت كان ينبغي أن أعمل لأساعد أسرتي، وليس بمقدوري أن أدرس أو أن أترك العمل، فأنا مضطر لذلك. تعلمت قليلا، وعملت، إلى أن أُصبت. لم يكن الأمر سهلا".

أنس ورياضة التجديف

أنس الخليفة اللاجئ السوري في ألمانيا يمارس رياضة التجديف.
Reinaldo Coddou H./Getty Images
أنس الخليفة اللاجئ السوري في ألمانيا يمارس رياضة التجديف.

شعر أنس بالوحدة والغربة بعيدا عن أسرته، مصابا ومتألما. لكنّ مشاعر الأسى لم تتغلب عليه، واستطاع بمساعدة أصدقائه الجدد مواصلة السير من جديد، ليس على قدميه، ولكن -مواصلة السير في حياته.

بدأ أنس بممارسة رياضة التجديف.

"كبداية لم يكن الأمر ببالي على الإطلاق، لكن بعد الحادث أقفلت كل الأبواب في وجهي، لم أعد أعرف إذا كنت أريد أن أكمل في هذه الحياة أم أن الحياة انتهت".

الفضل يعود، كما يقول أنس، للمعالجة الفيزيائية التي حفزته وحاولت إقناعه أكثر من مرة بممارسة هذه الرياضة التي تعتمد على قوة الذراعين. وقال: "في النهاية وافقت وقلت لها سأجرب هذه الرياضة من باب الترفيه لا أكثر ولا أقل".

بعد الحادث أقفلت كل الأبواب في وجهي، لم أعد أعرف إذا كنت أريد أن أكمل في هذه الحياة أم أن الحياة انتهت

وجد أنس من يؤمن به، إذ كانت مدربته، أوغنيانا دوشيفا، تقول له منذ البداية "ستذهب إلى طوكيو". أما هو فكان يعتقد أن الأمر من سابع المستحيلات.

وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة، شددت المدربة دوشيفا على أن أنس جاهز للذهاب إلى طوكيو: "نتدرب يوميا ويوميا نرى النتائج تكبر أكثر فأكثر، ولدينا شهر الآن إلى أن نصل طوكيو.. أعتقد أنه سيُظهر أفضل ما عنده، لأن الكثيرين يؤمنون به والكثيرين معه".

رياضة التجديف قلبت حياة اللاجئ السوري أنس الخليفة رأسا على عقب بعد أن "أقفلت الأبواب" في وجهه

وقد أعلنت اليوم (30 حزيران/يونيو 2021) اللجنة البارالمبية الدولية أسماء الرياضيين الستة (خمسة شبان وفتاة) الذين سيشاركون في دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو، وهم: ابراهيم الحسين (سوريا)، علياء عيسى (سوريا)، بارفيه هاكيزيمانا (بوروندي)، عباس كريمي (أفغانستان)، شهراد ناساجبور (إيران)، وأنس الخليفة (سوريا).

Tweet URL

ويمثل الفريق 82 مليون شخص حول العالم ممن فرّوا من بلدانهم بسبب القمع والحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، و12 مليونا من ذوي الاحتياجات الخاصة.

في نيسان/أبريل الماضي، أطلقت مفوضية شؤون اللاجئين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو العالم لدعم فريق اللاجئين الأولمبي والبارالمبي.

إلى طوكيو

كانت مدربته على حق، وسيتوجه أنس إلى طوكيو في تموز/يوليو للمشاركة في الألعاب الرياضية مع الفريق البارالمبي للاجئين بالفعل.

يقول أنس: "تعلقت بهذه الرياضة، وشعرت أنها جزء مني، وهي تخرجني من جميع مشاكلي وتنسيني إصابتي. أشعر أنها هي التي ردت لي الحياة، ولولاها لكان (الخيار) الانتحار، وبالنسبة لي وجودي وعدمه كان سيان".

ويشير أنس إلى أن فرحته في المشاركة عارمة، وقد أبلغ أسرته بذلك. لكن الفرحة الأكبر هي عندما يرى أفراد أسرته: "بلا شك أبلغت عائلتي، كانت فرحة كبيرة ولكنها مصحوبة بحزن كبير. الفرحة أكبر عندما يكون المرء مع أهله، أنا لم أر عائلتي منذ 11 سنة أو أكثر، وأتمنى أن أراهم قبل أن أفقد أحدا بعد الذين فقدتهم. كانت فرحة كبيرة ولكن مع الحرب الحياة صعبة جدا".

ويشير أنس إلى شقيقه الذي فقده في نهاية العام الماضي، على الرغم من أنه لم يكن يشارك في النزاع، لكنه قُتل على يد مسلحين.

أنس الخليفة، اللاجئ السوري مع مدربته.
Reinaldo Coddou H./Getty Images
أنس الخليفة، اللاجئ السوري مع مدربته.

 

رسالة أنس لأبناء بلده والعالم

أنس لم يمارس التجديف منذ فترة طويلة، بل هي بدأت كما يشير من باب الهواية، واستمرت معه إلى أن أوصلته إلى طوكيو. يبتسم وهو يقول إنه "كان يسبح قليلا" في السابق، أما اليوم فهو يطفو على الماء ويقوم بالتجديف ليس كهاوٍ ولكن كمتمّرس.

يقول أنس: "لا يوجد شيء سهل في الحياة، فالفضل يعود إلى مدربتي التي أعطتني كل الوقت، -ليس جزءا بسيطا، بل كل الوقت. وخلال جائحة كورونا كان التدريب صعبا، سواء في الماء أو في النادي الرياضي".

استمر أنس يتدرب مع مدربته لمدة ستة أشهر، ولم يتلق تدريبا مثل بقية الرياضيين. "نتدرب لمدة ساعة أو ساعة ونصف ثم نأخذ قسطا من الراحة. نعود بعد العصر على الثالثة والرابعة للتجديف لمدة ساعة. يجب أن أتدرب لمدة ثلاث ساعات يوميا وبشكل مستمر ومنتظم".

ودعا أنس كل شخص إلى أن يؤمن بنفسه، "لأنك عندما تؤمن بنفسك ستصل إلى المرحلة التي تريد الوصول إليها".

وقال في ختام الحوار: "لا توجد بداية سهلة، يجب أن يؤمن (المرء) بنفسه ويسلك أي طريق يختاره، ولكن قبل أن يختار هذا الطريق يجب أن يحب هذا الطريق وأن يكون جزءا منه. إذا لم يتقنه بالعمل أو يحب الطريق فمن سابع المستحيلات أن يصله، يجب أن يؤمن بنفسه وبالشيء الذي يحبه وسيصل إلى ما يريده بالتكرار والعمل بجدية"

Soundcloud