منظور عالمي قصص إنسانية

مسؤول في منظمة الصحة العالمية بغزة: قطاع الصحة كان يعاني أصلا من "أزمة مزمنة" فاقمتها الآن الحرب وقبلها كوفيد-19

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف الأعمال العدائية في غزة لأسباب إنسانية مع مقتل المزيد من الأشخاص.
UNOCHA/Samar Elouf
الأمم المتحدة تدعو إلى وقف الأعمال العدائية في غزة لأسباب إنسانية مع مقتل المزيد من الأشخاص.

مسؤول في منظمة الصحة العالمية بغزة: قطاع الصحة كان يعاني أصلا من "أزمة مزمنة" فاقمتها الآن الحرب وقبلها كوفيد-19

الصحة

قطاع الصحة في غزة يعاني بالفعل من "أزمة مزمنة" ونقص في الكوادر الطبية والأجهزة والمستلزمات، وفوق ذلك كله، كانت غزة تمر بموجة ثانية من كوفيد-19 في ظل أعمال العنف الأخيرة. ولكن كيف استطاع القطاع التعامل مع كل هذه التحديات في ظل إمكانيات محدودة؟

فخلال الأحداث الأخيرة، تعرّض 29 مرفقا طبيا لأضرار جانبية - من بينها مركز لفحص كورونا - وتعرّض مركز واحد لأضرار جسيمة - كان يقدم اللقاحات إلى المواطنين – وخلفت أحداث العنف وراءها قطاعا صحيا كان يعاني أصلا من نقص في المستلزمات والأجهزة والطواقم الطبية، والآن زادت الحاجة للمساعدة أكثر.

أجرينا هذا الحوار عبر تقنية الفيديو مع رئيس فريق الطوارئ ومنسق القطاع الصحي في منظمة الصحة العالمية في غزة، د. عبد الناصر صبح.

غزة تعاني من "أزمة مزمنة" في القطاع الصحي ونقص في الأدوية والمستلزمات

أخبار الأمم المتحدة: كيف تعاملت المستشفيات مع العدد الكبير من الجرحى خلال الأحداث الأخيرة وفي نفس الوقت مع المصابين بمرض كوفيد-19؟

د. عبد الناصر صبح: المستشفيات في قطاع غزة في الوضع الاعتيادي كانت تواجه تحديات بسبب الأعداد التي تأتيها ضمن جائحة كورونا، بالأخص في الفترة التي سبقت أحداث العنف الأخيرة، خاصة وأن غزة كانت تمر بالموجة الثانية. وكنا في أوج حالات ارتفاع الجائحة، وقاربت الأعداد الألف حالة في اليوم في وقت من الأوقات.

وبالتالي كانت المستشفيات تعاني من هذا الكم من المرضى الذين يراجعون المستشفيات، وكان عدد كبير يتطلب دخول المستشفى والبعض يضطر للتوجه للعناية المركزة. كانت المنظومة الصحية ضعيفة وكانت المستشفيات تعاني. جاءت أحداث العنف الأخيرة وزادت الطين بلة، وأصبح على المستشفيات أن تتعامل مع مرضى كوفيد-19 وكذلك مع الجرحى من أحداث العنف الأخيرة.

التحديات كانت كبيرة، ولكن بحمد الله انخفض عدد المرضى القادمين نتيجة الجائحة نظرا لالتزام السكان منازلهم أثناء فترة أحداث العنف، وبالتالي كان يأتي إلى المستشفى فقط من يعانون من أعراض واضحة جدا وكبيرة لدرجة تتطلب دخولهم المستشفيات. قد يكون ذلك قد خفف من وطأة عدد المراجعين، لكن نشير إلى أن الأمر لم يخفف من وجود الإصابات الموجودة بالفعل في المجتمع ولكن تعاني بدرجة أقل، فالعملية وازنت نفسها إلى حد ما داخل المستشفيات.

  • اقرأ أيضا: مفوضة حقوق الإنسان -- إذا تبين أن الهجمات الإسرائيلية على غزة عشوائية، قد تشكل جرائم حرب

أخبار الأمم المتحدة: مع الأضرار التي لحقت بالمركز الوحيد لإجراء الاختبار لفحص كوفيد-19، كيف تأثر الكشف عن الحالات وخاصة لمن لا تظهر عليهم أعراض؟

د. عبد الناصر صبح: مختبر الصحة المركزي، وهو المختبر الذي يقوم بإجراء حوالي 2,500 فحص PCR للكورونا يوميا هو الوحيد في قطاع غزة، حيث يتم إرسال جميع العيّنات التي يتم سحبها أو الحصول عليها من الناس من المحافظات الخمس كلها إلى هذا المختبر.

وقد تعرّض المختبر لأضرار جانبية بعد تدمير أحد المباني المجاورة له وتطاير أجزاء من الردم عليه مما اضطره لإيقاف العمل لمدة 48، وخلال هذه المدة كانت هناك عيّنات تُسحب وتُجمع من المناطق لكن كانت تُخزّن حتى عودة المختبر للعمل. وبعد 48 ساعة ونظرا لأن الأضرار جانبية، تم تنظيف المكان وإعادة العمل فيه. وقد عاد المختبر وبدأ بالعمل ثانية وبدأنا نرصد الحالات طبقا للفحوصات التي تُجرى.

أخبار الأمم المتحدة: خلال الأحداث، لجأ عشرات الآلاف إلى المدارس. لم يكن هناك ما يعرف بالتباعد البدني، هل من خشية لعودة كبيرة للمرض أو موجة ثالثة؟

د. عبد الناصر صبح: حمدا لله أن عملية التسجيل الداخلي في بعض مراكز الإيواء لم تستمر لأكثر من 48 ساعة، وعاد الأشخاص إلى منازلهم من هذه المدارس. كان هناك حوالي 70 ألف شخص لجأوا في 59 مدرسة. ويشتمل بعض المراكز على 4 آلاف فرد، وكأنه مجتمع كبير جدا في دائرة صغيرة، وشعرنا بقلق كبير جدا من انتشار الجائحة بين الموجودين هناك خاصة وأننا ارتأينا بأن أحداث العنف جعلت الناس يمكثون في بيوتهم ورأينا نافذة إيجابية ضمن هذه الكارثة ’إن صح وصف الحرب‘، وبالتالي رأينا أن الموجة الثانية ستخف وسيتسطح المنحنى.

خلال أحداث العنف الأخيرة، حوّل اللاجئون في مدارس الأونروا تلك المدارس إلى أماكن لمعيشتهم.
© 2021 UNRWA Photo by Mohamed Hinnawi

 

جاء هروب الناس إلى المدارس واكتظاظهم فأشعل القلق مرة أخرى بأننا سنشهد ارتفاعا نتيجة لذلك، خاصة وأن وزارة الصحة بالتعاون مع وكالة الغوث قامت بجمع 300 عينة من هذه المدارس لنستقرئ المشهد، ومن العينات الـ 300 كانت 10 إيجابية. خشينا بالطبع لأن 10 من 300 رقم ليس ببسيط إذا افترضنا الانتشار بهذه الوتيرة.

بعد 48 ساعة عاد الكثير من الأشخاص إلى منازلهم وهو ما أزال هذا الخوف لدينا، لأن في المدارس لم يكن التحدي فقط هو الاكتظاظ، بل أيضا لا توجد الوسائل الوقائية مثل الكمامات والمعقمات والمياه لغسل الأيدي، بالكاد وُجدت المياه لغسل الأيدي أو الاستحمام أو الشرب.

من الجيد عودة المواطنين إلى منازلهم بسرعة وإلا فكنا سنواجه كارثتين: كارثة الحرب وكارثة ارتفاع الجائحة.

أخبار الأمم المتحدة: قبل الأحداث، كيف كانت إدارة اللقاحات في غزة -والآن دخلت مؤخرا دفعة جديدة من اللقاحات عبر مرفق كوفاكس.

د. عبد الناصر صبح: بدأ إدخال اللقاحات إلى قطاع غزة، وإعطاء الناس هذا اللقاح، وكان هناك حوالي ما مجموعة 110 آلاف جرعة من اللقاحات تكفي لـ 55,200 شخص. قبل الجائحة كان الرقم قد وصل إلى 38,600 شخص تلقوا هذا اللقاح. وكان هناك في الآونة الأخيرة قبل العنف نوع من العزوف الذي أقلق المنظمة الصحة العالمية – عزوف الناس عن تلقي اللقاح. الآن وقد وصل لقاحان آخران: 10 آلاف جرعة من سينوفارم و46 ألف جرعة من فايزر، سيتم وضعها في المراكز الأسبوع المقبل كي يتمكن الناس من تلقي اللقاح، بالإضافة إلى تشديدنا وأنشطتنا التي كُثفت بالتعاون مع اليونيسف ومنظمات أخرى لنشر الرسائل إلى المواطنين بضرورة تلقيهم اللقاح حتى يقي الشخص نفسه ومن حوله.

الرسالة التي يجب أن نوصلها للجمهور، وأريد هنا أن أستثمر هذا اللقاء في إيصالها وهي: بتلقيك اللقاح أنت تحمي نفسك وتحمي من حولك. فالشباب الذين يتأثرون أقل  بالجائحة بإمكانهم نقل المرض لكبار السن والمجموعات الأكثر تضررا، وقتل من حولهم ممن هم أعزاء عليهم كآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وهكذا.

الرسالة الثانية هي أن جميع اللقاحات فعّالة وتؤدي الغرض. كان هناك بعض العزوف عن لقاحات لأنها تسبب هذا أو ذاك، هذا كلام غير منطقي والبحوث لم تثبت أي شيء. هناك أحيانا تعمّد بنشر دعايات خاطئة، وبالتالي تعزف عنها الناس خوفا من مضاعفات جانبية. تم إعطاء لقاح أسترازينيكا على سبيل المثال لـ 90 مليون شخص حول العالم. نحن شاكرين أن اللقاحات متوفرة، ويبقى أن يتوجه الأشخاص للمراكز الصحية لتلقي اللقاح، وهناك أكثر من 15 مركزا، سيرتفع هذا العدد وقد يصل إلى 40 مركزا، وبالتالي فالوصول إلى المراكز سهل.

عمال الأونروا يعملون على إزالة الأنقاض في غزة.
© 2021 UNRWA Photo by Mohamed Hinnawi

أخبار الأمم المتحدة: بالعودة إلى استهداف المستشفيات، كيف تنظر منظمة الصحة العالمية لاستهداف المرافق الطبية، وإلى أي مدى لحقت الأضرار بها؟

د. عبد الناصر صبح: في كل مرة تحدث أحداث عنف، تقع أضرار جانبية قد توقف العمل في منشآت صحية. خلال الأحداث الأخيرة لحق ضرر كبير في مركز هالة الشوا، وبالمناسبة كان يُستخدم لإعطاء اللقاحات وإجراء فحوصات على كوفيد-19، وتم تدمير هذا المركز فتوقفت خدماته وتم توزيعها على مراكز أخرى أبعد على المواطنين، بالذات في منطقة الشمال.

لحقت الإصابات والأضرار بـ 29 مركزا ومستشفى، وكلها أضرار جانبية ولم تتسبب في تعطيل العمل، لكنها أوقفت العمل لأيام حتى يتم تنظيف الأماكن وإعدادها لاستئناف الخدمة. هذه المراكز والمستشفيات (29 منشأة صحية) عادت جميعها للعمل رغم الأضرار التي لحقتها، فنجد مركزا صحية بلا نوافذ أو أضرار لحقت بنوافذه وأبوابه، لكن يقوم المركز بتقديم الخدمة للمواطنين إلى أن يتم إصلاح الأضرار فيما بعد وهذا أمر جيد، لأن الوصول إلى الخدمة أصبح متاحا لمعظم السكان.

أخبار الأمم المتحدة: إعطاء الأولوية للمستلزمات الطبية وإدخالها إلى غزة هو حديث متكرر. إلى أي مدى تكمن الحاجة لدخول هذه المستلزمات وما هو حجم النقص في القطاع؟

د. عبد الناصر صبح: غزة لديها أزمة مزمنة، وتعاني من نقص في المستلزمات والمواد المخبرية والأجهزة وحتى في الطواقم الطبية، هذا في الوضع الاعتيادي، فما بالكم بعد أحداث العنف وكوفيد-19؟

أصبحت غزة تعاني مزيدا من النقص. ووصل نقص الأدوية في غزة إلى 50 في المائة من القائمة الأساسية، أي أن هناك 50 في المائة من 516 صنفا من الأدوية الأساسية في قطاع غزة كانت غير متوفرة، وبالتالي لكِ أن تتخيلي الكم من المرضى الذين يعانون من هذا النقص. الحاجة إلى إدخال الأدوية والمستلزمات سواء من المانحين أو المنظمات الإنسانية أو من وزارة الصحة في رام الله هي حاجة مستمرة، وتخضع لعمليات تنسيق وعبور وتستغرق وقتا وجهدا لإدخالها. والآن غزة في حاجة ماسة لمزيد من المواد حتى تدخل إلى القطاع دون أي عائق.

وترسل العديد من الدول إلى غزة مواد، سواء كانت مِنَحا أو أدوية، وغيرها. لا نخفي أن هناك تحديات، مرتبطة بأوقات التنسيق وفتح المعابر وموافقة الجانب الإسرائيلي على دخولها وعمليات الشحن والتأخير التي قد يكلّف المزوّدين أموالا، وبالتالي قد تزيد من أسعار هذه الأدوية وما إلى ذلك.

غزة بحاجة لهذه المواد ويجب أن تكون عمليات التنسيق أسرع، وأن تتم عملية إدخال المواد بطريقة تفيد الناس بدون أضرار أخرى. هي أزمة مزمنة والآن زادت هذه الأزمة ولنا أن نتخيّل أن الحاجة زادت أكثر أيضا.

Soundcloud