منظور عالمي قصص إنسانية

الطاقة النظيفة في غزة تساعد على حل مشكلة الكهرباء وتخلق فرص العمل خاصة للشابات

تدريب شابات وشبان في قطاع غزة على مهارات الطاقة النظيفة. د. إيمان عاشور في الوسط (2019).
UNRWA/Khalil Adwan
تدريب شابات وشبان في قطاع غزة على مهارات الطاقة النظيفة. د. إيمان عاشور في الوسط (2019).

الطاقة النظيفة في غزة تساعد على حل مشكلة الكهرباء وتخلق فرص العمل خاصة للشابات

المرأة

تدعم وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، الطاقة الخضراء أي النظيفة في قطاع غزة لتقليل الاعتماد على الوقود. وتقدم برامج تدريبية لشباب وشابات في مجال تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في القطاع الذي يعاني من انقطاعات مزمنة للكهرباء.

د. إيمان عاشور الخبيرة في الطاقة المتجددة في قطاع غزة تقول إنها أول امرأة عملت في الطاقة النظيفة في غزة، لكنّها تشير إلى وجود عدد من السيّدات اللائي يدخلن هذا المضمار من أوسع أبوابه.

وتقدم د. إيمان عاشور تدريبات للمدربين في مجال الطاقة النظيفة. يُذكر أن الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة هو ضمان توفير طاقة نظيفة وبأسعار معقولة.

وقد شاركت، مؤخرا، في فعالية افتراضية نظمتها الأونروا خلال الدورة الخامسة والستين للجنة وضع المرأة، بعنوان "النساء عوامل التغيير في غزة". تحدثت خلال الفعالية مجموعة من النساء عن دورهن القيادي في غزة وكيفية تغلبهن على التحديات ليصبحن نماذج يُحتذى بها.

وقد أجرينا هذا الحوار مع د. إيمان عاشور، عبر تقنية الفيديو، بعد مشاركتها في الفعالية.

د. إيمان عاشور أول سيّدة تعمل في مجال الطاقة النظيفة في غزة

أخبار الأمم المتحدة: في البداية هل يمكن أن تعرّفينا أكثر عن نفسك وكيف نما اهتمامك بالطاقة النظيفة؟

د. إيمان عاشور: أنا متخصصة في مجال الطاقة المتجددة. وقد حصلت على درجة الدكتوراة عام 2013 في مجال هندسة الطاقة المتجددة من الجامعة الوطنية الماليزية، وقبلها حصلت على درجة الماجستير في تقنيات الطاقة المتجددة من الجامعة الوطنية الماليزية. عدت إلى الأراضي الفلسطينية عام 2014، وبدأت بالعمل في قطاعات مختلفة، وكان الهدف الأساسي إدخال الطاقة المتجددة إلى قطاع غزة، وإدماجها في القطاعات المختلفة. فعملت مع مؤسسات مختلفة، مثل البنك الدولي والاتحاد والأوروبي واليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وعملت مع مؤسسات محلية، ومع الأونروا كمستشارة.

وفي جميع هذه المشاريع، كنت أقدم الدعم الفنّي للخبرات المحلية الموجودة إضافة إلى تدريبها وتأهيلها، واكتساب مهارات الطاقة المتجددة وإدخالها إلى القطاعات المختلفة مثل قطاع المياه والقطاع الصحي بأكمله وقطاع البلديات والقطاعات المختلفة بما تعانيه من أزمة الطاقة والكهرباء وأثرها على القطاعات المختلفة. قمت بالإشراف على تنفيذ عدد كبير من المشاريع في قطاع غزة، وأنا فخورة بهذا الإنجاز.

أخبار الأمم المتحدة: هل باتت الآن الطاقة المتجددة معروفة أكثر في قطاع غزة؟

د. إيمان عاشور: نعم. أتوقع أنه بين عامي 2018 و2020 أصبحت الطاقة المتجددة خيارا من خيارات غزة المعروفة والملموسة في كل مكان في القطاع. أصبح بالإمكان رؤية في كل كيلومتر مربع في قطاع غزة بيت أو بيتين أو مؤسسة أو مؤسستين عملت على تركيب أنظمة الطاقة الكهروضوئية.

أحد الأسباب التي أدت إلى اكتساب المهارات أو التوجه الشعبي والمؤسساتي باتجاه الطاقة النظيفة هو أزمة الكهرباء الخانقة وارتفاع أسعار الوقود والحلول التي كان يُعتمد عليها كموّلدات الديزل. كانت التكلفة عالية، وكميات انبعاثات الكربون عالية والإزعاجات عالية، لذلك بدأ التصور أنه لا بد أن يكون هناك بديل. لا يمكن القول إن غزة تعتمد اعتمادا كاملا على الطاقة المتجددة، فما زال الطريق طويلا، لكن على الأقل في دراستنا بين 2018-2020 قامت غزة بتركيب 12-13 ميغاواط، وهذه كمية معقولة ومتوقعة بالنسبة لظروفها والوضع المالي في غزة. لأن أي استثمار في مجال الطاقة المتجددة لا بد أن يكون بتكلفة كبيرة، لكن يخاطر المواطنون والمؤسسات لعدم وجود بدائل. وفي الوقت نفسه شوهد أثر البدائل الأخرى كموّلدات الديزل والغاز وتأثيرها الصحي والبيئي والمالي بالغ الضرر على الإنسان والمؤسسات والمجتمع ككل.

تم إدخال الطاقة المتجددة إلى قطاع غزة بشكل سلس، وأصبح من المعروف للقاصي والداني أن غزة تعتمد عليها. خلال 2020 أعلن عن محطة معالجة المياه العادمة واعتمادها تقريبا على 100% من الطاقة المتجددة وهذا يعتبر إنجازا عظيما لمحطة معالجة، وخاصة أننا نعاني من أزمة المياه العادمة، فبسبب انقطاع الكهرباء يتم عادة ضخ مياه المجاري إلى البحر لتخفيفها أو للتخلص منها، وهذا يتسبب بمكرهة بيئية وصحية، وأصبح حتى البحر - المتنفس الوحيد لأبناء قطاع غزة - مكانا ملوثا بفعل انقطاع الكهرباء.

ألواح شمسية في مكتب الأمم المتحدة بنيروبي في كينيا.
UN Kenya/Neil Thomas

أخبار الأمم المتحدة: من خلال تدريب الشباب والشابات، ما هي المهارات التي ترغبين في أن يكتسبها المتدربون؟

د. إيمان عاشور: في البداية كنت أتعامل مع الخط الأول، وهو التوعية بأنظمة الطاقة المتجددة، وعادة في كل المساقات والدورات التدريبية أطلب من الطلاب تصوير مقاطع فيديو لتوعية اثنين أو ثلاثة من الأقارب أو البيئة المحيطة بأهمية الطاقة المتجددة ومدى كونها خيارا بيئيا.

كنّا نعرّف بتقنيات غير موجودة وغير مألوفة في القطاع المحلي. لاحقا أصبحت متوفرة وموجودة وأصبح التدريب يتبع خطوات ومنهجيات أخرى. نحن نقدم في التدريب منهجيات متطورة جدا لاكتساب تصميم أنظمة الطاقة المتجددة والشمسية بالأساس، والمتابعة لأنظمة الطاقة المتجددة، والتشغيل.

ولاحقا مع الأونروا، كان البرنامج مخصصا للتركيب والتشغيل والصيانة، كان هذا أمرا مهمّا، ليس فقط تدريب المهندسين، بل أيضا التركيز على الفنيين.

يوجد الآن في غزة من 300 إلى 500 عامل ومهندس في قطاع الطاقة المتجددة

نحن نريد فنيين متخصصين قادرين على أداء العمل من خلال تدريب منظم ومرتب، وحتى يكون الشباب الفلسطينيون قادرين على إيجاد فرص عمل من خلال هذه التدريبات لأن المهندسين والفنيين في قطاع غزة يعانون من بطالة عالية جدا نظرا لتضرر قطاع الصناعة بشكل أو بآخر، فلا بد أن يكون أحد الحلول فتح أسواق جديدة، وجزء منها سوق قطاع الطاقة المتجددة.

يوجد الآن في غزة من 300 إلى 500 عامل ومهندس في قطاع مثل قطاع الطاقة المتجددة. هذا عدد جيّد ونأمل أن يزيد في المستقبل.

أخبار الأمم المتحدة: كيف واجهت نظرة مجتمع محافظ مثل المجتمع في قطاع غزة لفتاة أو امرأة تعمل في هذا المجال؟

د. إيمان عاشور: بالتأكيد نعم. تجدر الإشارة إلى أنني كنت السيّدة الوحيدة التي تعمل في هذا المجال حتى وقت قريب. الآن طالباتي بدأن في منافستي، وهذا شيء جيّد جدا.

لا بد أن تمرّ المرأة الفلسطينية بتحديات إذا دخلت في قطاعات كهذه. أنا كنت سيّدة وأشرف على عدد كبير من المهندسين والفنيين، ولا بد أن تُقابل السيّدة في البداية على أنها "ربما لا تعلم، ربما لا تجيد، ربما لا تستطيع"، كل هذه المبررات.

لكن المرأة قادرة على أن تفرض نفسها من خلال تفوّقها، ومنهجيتها العلمية التي تعمل بربط هذه الأمور مع بعضها البعض في تنفيذ المهام. كانت السنة الأولى سنة صعبة لتقبل المجتمع. عادة الإشراف الهندسي مهمة صعبة حتى على زملائي الرجال. في العادة المهندس يعطي ملاحظات وتفاصيل كثيرة ويعود للعمل، فأحيانا كسيّدة يكون الأمر صعبا، وعادة يتم الهمس "إنها سيّدة". الحمد لله تجاوزت ذلك بكثير من الصبر وكثير من الموضوعية. بعد ذلك أصبح الأمر سلسا إلى حدّ ما.

مجتمع غزة ضيّق، ولا بد من بناء سمعة بطريقة أو بأخرى، وهذه السمعة تنتقل من مهندس آخر، ومن شركة لأخرى. عندما كنت أشرف على شركات أجد بأن الصورة التي وضعت عنّي وصلت، وهو ما سهّل الأمر علي. عادة هناك منافسة حادة، وفي الواقع قطاع غزة صغير وليست فيه فرص كثيرة، وهو صعب على الجنسين، لكن إيجاد فرصة العمل بالنسبة للمرأة يعد أصعب.

أنا عانيت بعد تخرّجي وعودتي إلى غزة، مكثت عاما ونصف بدون عمل، لأسباب متعلقة بقطاع العمل الفلسطيني. لذلك، كان يتعيّن عليّ أن أخلق الفرصة بشكل أو بآخر، هو أمر مرتبط بالشباب الفلسطيني. لم يكن عمري يتجاوز 27 عاما، بدأت بخلق الفرص، عملت كاستشارية فنية وفي حشد الأموال حتى تقتنع المؤسسات الدولية والمؤسسات في غزة بجدوى الطاقة المتجددة وجدوى مشاريعها. استغرق المشروع الأول عاما فقط حتى أقدر على إقناع المانح بأن المشروع مجدٍ.

دائما تكون البدايات صعبة، ولكنني تجاوزتها بشيء من الصبر والأمل والتحدي كما هو حال الشباب الفلسطيني عند تجاوز العقبات اليومية.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي رسالتك لكل فتاة وامرأة تخشى الدخول في مجالات يُعرف أنها حكر على الرجال؟

د. إيمان عاشور: رسالتي لكل فتاة وامرأة أن هذا المجال مثله مثل أي مجال هندسي، فيه صعوبات ولكن فيه أيضا آفاق واسعة. دائما أنصح طالباتي وأقول لهن: هنالك آفاق واسعة لمجالات الطاقة المتجددة هذا سوق منفتح دوليا وعالميا ويخلق الفرص يوما بعد يوم. فلماذا نغلق على أنفسنا الباب؟ لأننا سيّدات؟ دائما أجد أن التعامل مع السيّدات كإنسان وكقدرات ومعلومات يجب أن يكون في المقدمة بعيدا عن الجندر (النوع الاجتماعي) الذي قد يكون في بعض الوقت نوعا من التمييز.

هنالك آفاق واسعة لمجالات الطاقة المتجددة هذا سوق منفتح دوليا وعالميا

دائما دعمي للسيّدات متواصل. أسست مظلة لتشجيع الفتيات على أن يعرفن أكثر عن قطاع الطاقة المتجددة لإكسابهن بعض المهارات اللازمة لدخول سوق العمل، ولتشجيعهن على أن يكون لهن بعض المشاريع الخاصة بهن في مجالات الطاقة المتجددة، وهو أمر جميل يتوافق مع الهموم الفلسطينية التي لا بد أن تصنع شيئا لنفسك بدلا من البحث عن الوظيفة – وهو أمر شاق.

وفي نفس الوقت، نحن بحاجة إلى جزء من المهندسات ليقمن بتوعية المجتمع بأهمية الطاقة المتجددة وتوعية السيّدات أنفسهن كمستهلكات للطاقة، وكيف يجب أن نستهلك الطاقة بشكل جيّد وبكفاءة أكثرـ على الأقل لمواجهة هذه الظروف السيّئة التي نعيش بها.

رسالتي لهنّ أنهن قادرات على الدخول في هذا المجال فهو ليس حكرا على الرجال فقط، ويمكن للرجال والنساء أن يفعلوا فيه الكثير.

Soundcloud