منظور عالمي قصص إنسانية

مزون المليحان: رحلة شابة سورية، سلاحها كتاب ودعوة للتعليم 

مزون المليحان تجتمع مع طالبات الصف التاسع السوريات في مدرسة سعيد نور الدين الحكومية في عمّان. 15 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
© UNICEF
مزون المليحان تجتمع مع طالبات الصف التاسع السوريات في مدرسة سعيد نور الدين الحكومية في عمّان. 15 تشرين الأول/أكتوبر 2017.

مزون المليحان: رحلة شابة سورية، سلاحها كتاب ودعوة للتعليم 

الثقافة والتعليم

مزون المليحان، سفيرة اليونيسف للنوايا الحسنة، هي لاجئة سوريّة وناشطة في مجال التعليم. أثناء إقامتها في مخيمات اللجوء، شرعت بحملة للتشجيع على التعليم، وتنقلت "من خيمة لخيمة" لإقناع الأهالي بإرسال أبنائهم إلى المدرسة.

 

مزون المليحان كانت في 14 من عمرها عندما اضطرت أسرتها إلى مغادرة سوريا باتجاه المجهول، فانقلبت حياتها، مثلها مثل الملايين، رأسا على عقب، ووجدت نفسها، وهي الشغوفة بالدراسة والتعليم، بلا مدرسة ولا كتب ولا مستقبل يلوح في الأفق.

سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف مزون المليحان تعيش اليوم وتدرس في المملكة المتحدة، ولا تزال تحث وتمارس نشاطها لتعزيز توفير التعليم للأطفال وخاصة الفتيات.

مع حلول الذكرى العاشرة للصراع في سوريا، أجرينا حوارا مع الشابة السورية مزون المليحان للتعرف على أنشطتها في مجال التعليم وأين أصبحت بعد نحو عشر سنوات من مغادرة سوريا.

سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف مزون المليحان تزرع الأمل داخل السوريين

أخبار الأمم المتحدة: عرّفينا أكثر عن نفسك. من هي مزون المليحان؟

مزون المليحان: مزون المليحان هي سورية عاشت في فترة الحرب واضطرت إلى مغادرة سوريا أثناء الحرب الدائرة هناك وعاشت في مخيمات اللجوء كطفلة، كأي طفل من أطفال سوريا الذين أجبروا على الفرار من بلدهم. كان عمري 14 عاما عندما غادرت وطني. يبدو سنّا صغيرا جدا، لكنّني أعتز وأفتخر بتلك الفترة لأنني بدأت أستخدم صوتي ورسالتي للجميع، على الرغم من الظروف الصعبة أنا لم أستسلم. بدأت من هناك أشجع الأطفال على الذهاب للمدرسة وعلى عدم الاستسلام.

لم يكن فقط نشاطي في مجال التعليم، على الرغم من أنني أحب التعليم وشغفي هو التعليم. لكن أيضا كانت رسالتي للأطفال أن يتمسكوا بآمالهم وأحلامهم.

رأيت كيف يعاني الأطفال كثيرا في المخيم، وطبعا بعد أن عانوا الكثير في سوريا. أجبرتهم الظروف في المخيمات على فقدان الأمل، منهم من لم يفقد الأمل، لكن للأسف يوجد عدد كبير من الأطفال فقدوا الكثير من آمالهم وطموحاتهم بسبب الظروف التي أجبرتهم على ذلك. لذا، أحزنني ذلك الأمر، وأردت أن أشجع الأطفال على الاستمرار في الحياة والدفاع عن حقوقهم وخصوصا في التعليم وألا يستسلموا مهما كان الثمن، لأننا لم نختر اللجوء، لم نرد أن نصبح لاجئين، لم نرد أن نعاني أو أن نخسر أيا من حقوقنا. لذلك بدأت حملتي عن التعليم وبدأت أشجع الأطفال ليذهبوا للمدرسة، ومن هناك بدأت قصتي، وبعدها عشت في مخيم آخر في الأردن، يدعى مخيم الأزرق، ومن ثمّ انتقلت في أواخر عام 2015 إلى المملكة المتحدة مع أسرتي، وأنا حاليا أعيش وأدرس في بريطانيا وأتابع أنشطتي من هنا.

أخبار الأمم المتحدة: كيف أصبحتِ سفيرة للنوايا الحسنة، كيف تم التنبّه للأنشطة التي تقومين بها؟

مزون المليحان: في الحقيقة علاقتي مع اليونيسف ليست بجديدة، لم تبدأ عند تعييني كسفيرة للنوايا الحسنة لأنني وعندما كنت في الأردن، وتحديدا في بداية وصولي للمخيم، بدأت أشجع الأطفال على الذهاب للمدرسة، وكانت اليونيسف على رأس المنظمات الدولية التي تدعم التعليم وطبعا كانوا يقومون بالأنشطة لتشجيع الأطفال على الذهاب للمدرسة، وسمعوا عني، وتعرّفت آنذاك عليهم، وأصبحت منظمة اليونيسف تعتبرني متحدثة باسم الأطفال، ورأت بي إصرارا وعزيمة وشغفا كبيرا كي أشجع أطفال بلدي على الذهاب للمدرسة.

ومن هناك، بدأت علاقتي مع اليونيسف وبدأت أقوم معهم بالعديد من الأنشطة، والعديد من الحملات في المخيم، على سبيل المثال، كنا نذهب من خيمة إلى خيمة ونتحدث مع الأهالي والفتيات والشبان ومع أي شخص يعتقد أن التعليم غير مهم في المخيم. كنا نتحدث إليهم ونشجعهم.

سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف، مزون المليحان، تعانق عبير (12 عاما إلى اليسار) وبيسلان (12 عاما إلى اليمين) في مركز مكاني الذي تدعمه اليونيسف.
© UNICEF
سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف، مزون المليحان، تعانق عبير (12 عاما إلى اليسار) وبيسلان (12 عاما إلى اليمين) في مركز مكاني الذي تدعمه اليونيسف., by © UNICEF

كان يستمع إليّ الناس كثيرا وغالبا أكثر من المنظمات، لأنني كنت من المخيم وظروفي مشابهة لظروفهم، ولم تكن معيشتي مختلفة، لم تكن ظروفي سهلة وكنت مثل أي شخص سوري غادر وطنه واضطر إلى العيش في مخيمات اللجوء. كانوا يرون أنني أؤمن بالتعليم كشخص يعيش هناك، وكان ذلك يحفزّهم ويعطيهم قليلا من الأمل أثناء تلك الظروف الصعبة.

قضيت في المخيم ثلاث سنوات، وخلال هذه الفترة كان شغلي الشاغل التعليم وتشجيع الأطفال، وبذل قصارى الجهود لتشجيعهم، وعندما انتقلت إلى المملكة المتحدة واصلت هذه الأنشطة ولم أستسلم، لم أنسَ المخيم الذي عشت فيه، لم أنساه ولن أنسى وطني. كانت مهمة كبيرة على عاتقي من هنا من بريطانيا أن أسمِع صوت اللاجئين وصوت السوريين للعالم، وطبعا قمت قدر الإمكان بالتحدث عن معاناة اللاجئين وعمّا يمرّون به، فرأت اليونيسف أنني حتى هنا في بريطانيا لم أستسلم، وقرروا تعييني سفيرة للنوايا الحسنة.

أخبار الأمم المتحدة: لماذا بحسب رأيك الإحجام عن التوجه للمدارس؟ ولماذا يُحجم عدد كبير من الناس عن إرسال أبنائهم للمدارس في المخيمات؟

مزون المليحان: أعتقد أن السبب الرئيسي هو الحرب، عندما يدخل أي بلد في صراع تبدأ تحديات لم تكن في الحسبان. هي حياة مختلفة تماما عن الحياة التي كنا نعيشها، وبالتأكيد عندما تواجهنا تحديات ليس من السهل التعامل معها لا ينظر كل الناس للحياة بنظرة إيجابية.

أنا لا ألوم أي إنسان، وخاصة السوريين تحديدا، لأنهم مرّوا بظروف قاسية للغاية، من الصعب أن نطلب منهم أن يكونوا كلهم إيجابيين، لذلك كثير من الناس ينظرون إلى الظروف بأنها سلبية للغاية وبالتأكيد عندما تكون نظرة الشخص إلى شيء ما بشكل سلبي سيواجه الكثير من التحديات ولن يفكر بأشياء كالتعليم. لذلك أثّر الصراع بشكل كبير على التعليم فأصبح كثير من الناس يعتقدون أن التعليم ليس أولوية وأن التعليم ليس الحل الحالي. على الرغم من أن السوريين معروفون بحبهم للعلم والمعرفة، وكانت سوريا - على نطاق العالم العربي - من أوائل الدول في التعليم، لدينا على سبيل المثال جامعة دمشق العريقة، ومنهاج سوريا كان ممتازا، لكن الحرب غيّرت ذلك. كثير من الناس يرغبون بالتعليم ولكن لا توجد فرصة، توجد إرادة ولكن تغيب الفرصة، كثير منهم نازحون ومنهم لاجئون لا يستطيعون التوجه للمدرسة. لحسن حظي في الأردن كانت توجد مدرسة، لكن للأسف في أماكن عديدة من العالم يعيش فيها السوريون حاليا لا توجد فرصة، حتى وإن أراد الشخص أن يتعلم.

مزون المليحان تزور مخيما للاجئين النيجيريين في مخيم دار السلام بمنطقة بحيرة تشاد في 20 نيسان/أبريل 2017.
© UNICEF
مزون المليحان تزور مخيما للاجئين النيجيريين في مخيم دار السلام بمنطقة بحيرة تشاد في 20 نيسان/أبريل 2017., by © UNICEF

أخبار الأمم المتحدة: نلتقي ونحن على أبواب الذكرى العاشرة للنزاع في سوريا. كيف تصفين وترين الأوضاع هناك اليوم وفي مخيمات النزوح واللجوء؟

مزون مليحان: الوضع السوري تجاوز مرحلة الوصف. لا توجد أي كلمة تستطيع أن تصف ما حصل وما يزال يحصل. لأنه وضع أكثر من مأساوي، وخصوصا النازحين الآن داخل سوريا الذين يعانون كثيرا، حتى أدنى مستلزمات الحياة لا يستطيعون الوصول إليها، حتى مأوى يعيشون فيه ويحميهم من قساوة البرد أو فصل الصيف، لا يستطيعون أن يأووا أطفالهم وأنفسهم، لا يستطيعون حتى الحصول على الماء.

شاهدت على التلفاز كثيرا من الناس يتحدثون عن صعوبة الحصول على ماء نظيف، ولا يملكون المال لشراء الماء، ولا كهرباء ولا مدارس، كل ذلك صعب للغاية، ويكون التعليم على وجه الخصوص الأكثر تضررا.

أولئك الذين ليس لديهم طعام، ولا مأوى، كيف سيفكرون بالتعليم؟ وطبعا إذا لم يتوفر أدنى مستلزمات الحياة، فكيف سيتوفر التعليم؟ لذلك يجب على العالم أن يتكاتف ليوفر لهم ما يحتاجونه وأن يعود الناس إلى منازلهم وأن يكونوا آمنين. هم بحاجة لأن يسمع العالم صوتهم. نحن لا نريد فقط أن نتحدث عن الوضع في سوريا، أو وضع النازحين، بل نريد فعلا أن نساعدهم لأننا لن نقدم لهم شيئا إذا لم نفعل شيئا. طبعا أن نتحدث هو أمر مهم، لنوصل تلك الرسالة، لكن أتمنى من العالم ومن أي شخص يسمعنا أن يبذلوا قصارى جهدهم أن يساعدوا الناس هناك، لأنهم حقا بحاجة إلينا وبحاجة للحصول على الدعم اللازم للاستمرار بالحياة.

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي تدرسينه في الجامعة الآن وكيف تربطين اختصاصك بأنشطة مساعدة الأطفال على تلقي التعليم؟

مزون المليحان: أنا أدرس حاليا السياسة الدولية في المملكة المتحدة، أنا في السنة الأخيرة في الجامعة وسأتخرج بعد عدّة أشهر إن شاء الله. بالتأكيد أن تعليمي واستمراري في التعلم سيضيف الكثير لمسيرتي وأنشطتي وما أقدمه للتعليم وما أقوم به مع اليونيسف أو على نطاق عالمي فيما يخص نشاطاتي.

كلما تعلمت أكثر سيكون صوتي أقوى، وأستطيع إيصال تلك الرسائل للعالم بشكل أقوى بكثير. مجالي يساعدني كثيرا في استخدام صوتي لإيصال تلك الرسائل وأن يكون صوتا فعالا وأن أساعد الناس قدر الإمكان.

مزون المليحان تلتقي بأطفال في منطقة أقيمت مؤقتا لتعليم الأطفال النازحين في مالي.
© UNICEF
مزون المليحان تلتقي بأطفال في منطقة أقيمت مؤقتا لتعليم الأطفال النازحين في مالي., by © UNICEF

أخبار الأمم المتحدة: صنعتِ التغيير وأحدثتِ فرقا. ما هي الكلمة أو الرسالة التي توجهينها للفتيات والشابات كي يحدثن تأثيرا بدورهن في مجتمعاتهن؟

مزون المليحان: كل شخص يستطيع أن يصنع التغيير لكن يجب علينا أن نؤمن بذلك. يعني لو كانت لدي فكرة أو خطة أو أي شيء أفكر به سيفيد المجتمع وسيفيدني شخصيا، يجب أن أدعم نفسي أولا. لا أستطيع أن أطلب من الآخرين أن يدعموني في الوقت الذي لا أدعم به نفسي أو لا أؤمن بما أقوم به.

يجب ألا يستسلموا وأن يؤمنوا بأن ما يقومون به سيكون مسموعا يوما ما، وألا يستسلموا مهما كانت الظروف. أعلم أننا نمرّ بظروف قاسية للغاية، وكثير من الناس يعانون، لكن عندما نصبر وعندما نستمر وما دام الأمل موجودا أعلم أننا نستطيع أن نحدث فرقا كبيرا.

خاصة الفتيات، يجب أن يشعرن بشكل إيجابي بالثقة في أنفسهن وألا يفقدن الأمل وأن يؤمنّ بأنهن قادرات على فعل ما يردنه إذا استمررن بفعل ما يقمن به وإن كنّ يردن صنع التغيير فإنه سيحدث ما دام لديهنّ أمل ولديهنّ إصرار على ذلك.

Soundcloud