واعترافا بشعبيتها المتنامية عالميا، قررت الأمم المتحدة في 11 كانون الأول/ ديسمبر عام 2014 إعلان 21 حزيران/ يونيه يوما عالميا لليوغا، بهدف إذكاء الوعي العالمي بالفوائد الكثيرة لممارستها.

احتفالا باليوم الدولي لليوغا، التقت أخبار الأمم المتحدة بمدرب اليوغا المصري الأميركي المقيم بالولايات المتحدة أحمد سليمان، الذي تحدث عن فوائدها الجمة للروح والجسد، وترابطها الوثيق بالطبيعة.

أحمد سليمان أوضح للزميلة كارلا غارسيا من أخبار الأمم المتحدة، أن اليوغا يمكن أن تلعب دورا كبيرا في الدفع بأهداف التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة، حيث تغرس اليوغا في ممارسيها عدم التبذير والاسترشاد في استهلاك كافة المصادر، هذا فضلا عن فوائدها الجسدية كذلك.

وعن تضارب الآراء بين البعض في المنطقة العربية بشأن ممارسة اليوغا، أشار أحمد سليمان إلى أن تعاليم اليوغا لا تتنافي مع الديانات السماوية، وقال إن اليوغا تعلم ممارسيها مثلا أن خير الأمور الوسط، وهو وما يحث عليه الإسلام، كما قال.

أخبار الأمم المتحدة: عندما نفكر في اليوغا، نتصور الأشخاص الذين يمارسونها أشخاصا يحترمون الطبيعة. ما العلاقة بين الطبيعة واليوغا؟

أحمد سليمان: في الطبيعة بشكل عام، وأنا عملت في حماية الطبيعة والبيئة بصورة كبيرة، لا بد أن يكون هناك التزام كي تكون الطبيعة على ما يرام. وتمرينات اليوغا، أو عندما نتبع نظام حياة ملتزما بتعليمات اليوغا، نتعلم الاتزان في أنفسنا. وعندما أكون شخصا متوازنا سيجعلني ذلك أطبق هذا التوازن على الطبيعة من حولي، سواء كان ذلك مع الأشخاص الذين أتعامل معهم أو الطبيعة ومحيطي من الأشجار والحيوانات والبحار. إذا الاتزان الذي نتعلمه في اليوغا يعلمنا كيف نطبقه في حياتنا.

الشيء الآخر الذي أود ذكره، وهو شيء تعلمته كوني ممارسا لليوغا ولكن أيضا من نشأتي مسلما، أن اليوغا تعلمنا أن الاتزان أو الاختيار الأوسط هو من أفضل الاختيارات، وهو نفس الشيء في الإسلام – خير الأمور الوسط. سواء كنت تمارس اليوغا أو مهتما أو مهتمة بحماية الطبيعة، الاختيار الأوسط هو أفضل اختيار نستطيع من خلاله حماية الطبيعة من حولنا ونتعايش معها. ولذلك، في رأيي الشخصي اليوغا ستمكننا من وجود حلول كثيرة لحماية الطبيعة من حولنا.

أحمد سليمان

أحمد سليمان يمارس اليوغا في منتزه في ولاية نيويورك.

أخبار الأمم المتحدة: بعض التمرينات في اليوغا لها أسماء حيوانات أو نباتات، هل الطبيعة مصدر إلهام لممارسي اليوغا؟

أحمد سليمان: نعم، الطبيعة لها تأثير كبير جدا على اليوغا، وهناك مثالان أود أن أشير إليهما، الأول هو تمرين (Vrksasana) التي تعني شجرة باللغة السنسكريتية، حيث يأخذ ممارس هذا التمرين شكل الشجرة، وليس فقط الشكل، بل الطريقة التي نقف بها والقوة التي نجدها في أقدامنا والطول نشعر به في أذرعتنا والجسد، كل ذلك نجده في الشجرة. فالشجرة تمد جذورها في الأرض لتمسكها، ونحن نستشعر فعل نفس الشيء بأقدامنا. نعم نحن لسنا أشجارا ولكن كما تغرس الشجرة جذورها في الأرض وتنمو طولا تجاه السماء، نضع أقدامنا في الأرض ورؤوسنا شامخة في السماء. في هذه الأمثلة نجد علاقات كبيرة جدا بين الطبيعة وتمرينات اليوغا.

يذكر أن وضع الشجرة (Vrksasana) هو الوضع الذي قام به لاعب كرة القدم الشهير محمد صلاح احتفالا بإحراز هدف لفريقه ليفربول في الدوري الإنكليزي هذا الموسم.

والمثل الآخر هو تمرين النسر حينما يتخذ الإنسان وضع النسر، أو ما نطلق عليه في اليوغا (Garudasana)، يكون مثل النسر الذي يقف على حافة الجبل أو الشجرة وعلى وشك القفز والطيران، نفس الشكل. لذلك هناك تواصل كبير جدا بين الحيوانات والطبيعة وتمرينات اليوغا التي تستمد من قوة وجمال الطبيعة للوصول إلى هذا التوازن والهدوء الذي يلمؤنا حينما نقوم بتمرينات اليوغا.

أخبار الأمم المتحدة: كيف يمكن أن تساهم اليوغا في حماية البيئة أو الإجراءات المناخية؟

أحمد سليمان: المشاكل التي نجدها في العالم الآن، مثل تغير المناخ، سببها عدم وجود توازن في أنشطتنا الاستهلاكية، من الصناعات والسيارات التي ننتجها والوقود الذي نحرقه، هناك تبذير في استخدامنا لمنتجات المصانع والسيارات والوقود، إلخ. دراستنا وممارستنا لليوغا تعلمنا التوازن وأن نأخذ أوسط الأمور من أوسطها، فكما قلت خير الأمور الوسط، وهذا هو ما نتعلمه من اليوغا. وعندما نتعلم ذلك بأنفسنا سنتمكن من تطبيقه في الطبيعة. فعلى سبيل المثال، الشخص الذي يتعلم تحقيق التوازن في نفسه إذا أراد شراء سيارة سيشتري سيارة لا تستهلك الكثير من الوقود. هذا تغيير. ومع تكرار ذلك وعندما يقوم الكثيرون بهذا التغيير سنجد فرقا في التأثير على الطبيعة. بدلا من شراء منتجات مصنوعة من البلاستيك، والتي تتطلب الكثير من الوقود لتصنيعها، والبلاستيك مضر أيضا بالطبيعة، سنجد هذا الشخص يعيد استخدام شيء قديم لديه لنفس الغرض أو يشتري شيئا أفضل للطبيعة. ومن ثم سنجد أن هذه الأفكار بدأت تتغير في أنفسنا وبمجرد أن يحدث ذلك سنحسن الطبيعة ونحميها إن شاء الله.

أحمد سليمان

أحمد سليمان يمارس اليوغا على شجرة نخيل.

أخبار الأمم المتحدة: هل تدعو الناس لممارسة اليوغا حتى يتكون لديهم وعي عن حماية الطبيعة؟

أحمد سليمان: طبعا. الآراء تتضارب بشأن اليوغا في العالم العربي بصراحة، لأن اليوغا تأتي من ديانة أخرى وأغلب العرب متمسكون جدا بديانتهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا. وبالنسبة للبعض فإن ممارسة اليوغا أمر غير صحيح. في رأيي، كما قلت، إن اليوغا تعملنا أن خير الأمور الوسط، والإسلام، وأنا الحمد لله شخص مسلم ومؤمن بديانتي ومؤمن بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكنني أدرس اليوغا وأتعلم اليوغا وأدرسها للآخرين أيضا. لأنني لا أرى أن هناك اختلافا بين العلوم التي تعلمها اليوغا وتعاليم الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. ولذلك، أتمنى أن يعطي الكثير من الناس الفرصة لليوغا. لا أقول يجب أن تقفوا على رؤوسكم أو أيديكم ولكن أعطوا فرصة لليوغا. لأن اليوغا ليست ذلك. اليوغا هي طريقة للعثور على الاتزان في أنفسنا والتعرف على أنفسنا. اليوغا هي إحدى هذه الطرق. ما أقوله بصراحة هو أن بعض العرب يرفضون تجربة اليوغا لأنها بالنسبة لهم ديانة أخرى لا يتفقون معها. وأنا كمسلم ممارستي وتعلمي لليوغا شددت إيماني بالإسلام. وهذا أمر أعتبره مهما جدا. لذلك أتمنى أن أرى الكثيرين من الناس يمنحون اليوغا فرصة ويحاولونها.

أخبار الأمم المتحدة: ما رسالتك في هذا اليوم الدولي لليوغا؟

أحمد سليمان: خير الأمور الوسط. حينما نختلي بأنفسنا ونتأمل ما حولنا، ونفكر بأننا نريد شيئا ما، يجب أن نسأل لماذا نريد ذلك؟ وما الذي سيعود عليّ من هذا الشيء؟ التأمل والتفكير في هذه الأشياء ستجعلنا أفضل وستقلل الضغط العصبي الذي نتأثر به دائما، وأيضا ستحسن من معاملتنا مع من حولنا من الناس والطبيعة كذلك. في اليوم الدولي لليوغا أود أن أقول للناس اجلسوا مع أنفسكم وتفكروا فيما يدور في قلوبكم، لأن القلب هو أساس كل الأشياء. وما في قلوبنا هو الحقيقة. انظروا في أنفسكم وتعرفوا على ما في داخلكم، وإن شاء الله سيجلب ذلك خيرا.