منظور عالمي قصص إنسانية

ذكريات ناج مع الراحلين: 15 سنة مرت على تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد وكأنه وقع بالأمس

صورة تذكارية للعاملين في مكتب الأمم المتحدة في بغداد قبل تعرضه للهجوم الإرهابي في 19 أغسطس 2003.

كان منظرا رهيبا لن أنساه طوال حياتي. عندما تحل الذكرى السنوية، وتصلني رسائل مواساة أتذكرها وكأنها حدثت البارحة.

هيثم عجام , موظف بمكتب الأمم المتحدة في بغداد

هيثم عجام/الأمم المتحدة
صورة تذكارية للعاملين في مكتب الأمم المتحدة في بغداد قبل تعرضه للهجوم الإرهابي في 19 أغسطس 2003.

ذكريات ناج مع الراحلين: 15 سنة مرت على تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد وكأنه وقع بالأمس

السلم والأمن

لا يزال هيثم عجام موظف الأمم المتحدة في العراق يستذكر أحداث الـ 19 آب/أغسطس 2003 وكأنها وقعت بالأمس القريب. ويزداد وقع الألم على نفسه كل عام، مع مرور ذكرى الهجوم الإرهابي على مقر الأمم المتحدة في بغداد.

تنبيه! هذه المقابلة تحتوي على مواقف قد تكون مؤلمة للبعض.

"كان منظرا رهيبا لن أنساه طوال حياتي. عندما تحل الذكرى السنوية، وتصلني رسائل مواساة أتذكرها وكأنها حدثت البارحة. ما زالت ردة فعلي هي نفسها، نفس الإحساس، نفس الشعور، نفس المناظر التي رأيتها."

هيثم كان من بين عشرات الموظفين الأمميين المتواجدين في فندق القناة في بغداد لحظة الهجوم. ومن حسن حظه كان على بعد نحو 80 مترا، فنجا من الانفجار.

"في هذه الأثناء شعرت بحرارة عالية جدا، وكأنما اختفى الهواء من المكان. وكرد فعل نظرت من النافذة ورأيت وكأنما أنابيب من التراب تخرج من نوافذ الطوابق الأخرى. استغربت لأنني لم أسمع صوت انفجار أو أي شيء. لم أسمع أي صوت نهائيا، فقط شعرت بحرارة عالية. ثم بدأت الأشياء في التناثر من أماكنها، بدأ الزجاج يتساقط والأسقف الحديدية بدأت تنهار."

قبيل الهجوم، كان زميل هيثم ترك بصحبته ابنه الصبي لحين انتهائه من العمل. وعندما وقع الانفجار كان شاغله الأول أن يأخذ الصبي إلى مكان آمن. ولكن وفي طريقه إلى الملجأ التقى زميله رافي. هل تذكرون رافي من الحوار السابق؟

"استغربت جدا ولم أصدق ما حدث. تساءلت هل حدث انفجار أم دخل إرهابيون إلى المكان. لم أكن أدري ما الذي يدور في هذه اللحظة. أخذت الطفل وركضت إلى الملجأ وقلت له ’انتظرني هنا بينما أبحث عن والدك.‘ خرجت ورأيت بعض الأصدقاء. رأيت رافي والدماء تتساقط من وجهه وبصحبة أشخاص يساعدونه على التوجه إلى الوحدة الطبية. كان شبه مذبوح، رأيت رقبته مضروبة مجروحة جدا....ذهبت مرة أخرى إلى المكان الذي كان أصدقائي متواجدين به قبل الانفجار، ووجدت أن السقف قد انهار فوقهم. رأيت زميلي أنطوان تحت الركام، لا يبدو من جسمه سوى وجهه، وينظر إليّ بعينيه طلبا للمساعدة، فأخرجته من تحت الأنقاض. ثم رأيت صديقا آخر مدفونا في التراب لا يتحرك. وأنا أركض في الخارج، قابلت صديقا لنا يدعى مجاهد يجري ويحمل عينه في يده... أشعر بها وكأنها لحظات ولكنها استمرت لوقت طويل حتى جاءت عمليات الإنقاذ."

ومن شدة وهول التفجير أصيب مستشفى كان بالقرب من مقر الأمم المتحدة وانهار على من كان فيه من المرضي والمصابين.

"بجوار مكتب الأمم المتحدة كان هناك مستشفى للمصابين من الحرب العراقية الإيرانية، رأيت سقف الطابق منهارا عليهم ولم يخرجهم أحد من تحت الأنقاض. كان يصرخون ولم يخرجهم أحد، حتى ماتوا."

وبحكم عمله في قسم النقل، كان هيثم دائما بالقرب من الممثل الخاص للأمين العام في العراق سيرجيو فييرا دي ميللو، الذي فقد حياته في الهجوم الإرهابي بجانب ما لا يقل عن عشرين آخرين من زملائه في العمل الإنساني. وقال هيثم مستعيدا بعض الذكريات التي جمعته مع الراحل.

"السيد سيرجيو، رحمه الله، كان إنسانا رائعا. عندما كان يمارس الرياضة معنا كان يقول مازحا ’أنتم العراقيون لستم معتادين على الرياضة. العبوا! تحركوا!‘ كان رجلا في غاية في الإنسانية. في أحد الأيام قال ’أريد أن نأكل ونشرب عصيرا معا،‘ ولكن كانت المطاعم كلها مغلقة في هذا الوقت، وكان في حي المنصور محل للعصائر يدعى مشمشمة. ذهبنا إلى هناك بسيارتين. عندما وصلنا، ارتجل من السيارة وبدأ يتمشى مع الناس وقال ’أريد أن أختلط مع الناس.‘ أحد حراس الأمن رأى شخصا يحمل مسدسا فقال لسيرجيو محذرا ’انتبه، هذا المكان خطر، وهذا الشخص يحمل مسدسا.‘ فرد سيرجيو ’لا، هذا رد فعل طبيعي، الناس فقط تريد أن تحمي نفسها في ظل غياب الشرطة.‘ وكان يمشي بين الناس ويشرب العصير مبتسما. كان إنسانا ذا نية صادقة."

وإلى اليوم، يستمر هيثم وزملاؤه، وغيرهم الكثير، في عملهم بالأمم المتحدة، إيمانا منهم بقيمة العمل الإنساني وخدمة الأشد ضعفا حول العالم.

Soundcloud