منظور عالمي قصص إنسانية

حوار مع الدكتور عبد الله الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.

حوار مع الدكتور عبد الله الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.

أخبار الأمم المتحدة: أهلاً بك الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.

طبعا نحن نجري هذا اللقاء على هامش الفعاليات التي ينظمها المجمع بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.

وسأقتبس لو سمحت من كلمتك الافتتاحية التي ألقيتها في الفعالية الجملة التالية: "عندما يقول العربي لصاحبه أهلا وسهلا فإنه بكلمتين من اللغة العربية يختصر مسافة الحب والصلة والصداقة فيتشارك مع ضيفه المكان والأهل والدار".

فأهلا وسهلا بك في دارنا في استوديو الأمم المتحدة.

الدكتور عبد الله الوشمي: أهلا وسهلا ومرحبا بك وبالسادة والسيدات المشاهدين والمشاهدات، أنا سعيد وزملائي أن نكون في هذه المنظمة الدولية الكبرى والمنظمة الأكبر في سياق أعمال مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ضمن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي انطلقت شرارته الأولى أو الأولى المبكرة عام 1973 في هذه المنظمة.

أخبار الأمم المتحدة: بالطبع سنتحدث عن الفعالية وبالطبع سنتحدث أيضا عن إطلاق الكتاب، ولكن أولا، أريد أن نبدأ بالحديث عن جمالية اللغة العربية. إذا أردنا أن نصفها بشكل مختصر فماذا تقول عنها؟

الدكتور عبد الله الوشمي: هذا سؤال ينقلنا إلى مسارات بحثية وفكرية وجمالية عديدة نحن معنيون في مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بربط اللغة بالثقافة وأن نفهم اللغة العربية في سياقها الجمالي الكبير المرتبط بالثقافة، المرتبط بالغناء، المرتبط بالموسيقى، المرتبط بجماليات الخط العربي، المرتبط بالأزياء، المرتبط بالنقوش، وفي الذاكرة وفي ما يكتب على الجدران، وعلى الجبال، وعلى الأيدي، ما يتحور، فالكلمة التي نقولها في السعودية تختلف عن الكلمة التي تقال في الشام والعراق، وربما الكلمة التي تقال في العراق تختلف عما يقال في مصر، والذي يقال في مصر يختلف عما يقال في المغرب العربي أو السودان أو غير ذلك. هذه حزمة من المؤثرات التي تنشأ فيها اللغة أياً كانت واللغة العربية بصفة خاصة.

اللغة كما نعلم جميعا هي كائن حي يتأثر ويؤثر. اللغة العربية من ناحية الارتباط بالجماليات وأتمنى على كل مهتم باللغة العربية، من العرب أو من متعلمي اللغة العربية، أن يستشعر الحزمة من أساسها القديم. وأستذكر الآن على سبيل الذكرى العاجلة وفق سؤالك الكريم أن أحد كبار علماء اللغة العربية القدامى ابن جني1 يقول إن الكلمات المتصلة بجذر واحد غالبا ما تؤدي معنى واحدا. فنحن نتكلم عن الجيم والنون إذا اجتمعتا في أي كلمة واحدة غالبا تدل على معنى متقارب، وعندنا نتكلم عن الجنة والجن والجنين وما شابه كلها تدل على معنى الاستتار والاختفاء سواء، كنا نتحدث عن الجنين في بطن أمه أو الجنة في مكان آخر أو الجن أو غير ذلك من المفردات. أيضا في الشعر العربي القديم في مرحلة ما قبل الإسلام وحتى اليوم، في المرحلة القديمة جدا، أتكلم عن قبل 1500 سنة، نجد الشعر العربي الذي انطلق في عموم الجزيرة العربية وفي بلاد الشام وفي غير ذلك وصف الوردة ووصف الحب والعسل والحرب والعلاقات وصلة الأقارب، كما وصف الأم ووصف الحنين، بل إن بعض المشاهد الشعرية العربية تعمقت في وصف الحيوانات بجميع مستوياتها: تجد الناقة في الصحراء العربية تقف عند مصرع حوارها (ابن الناقة) ميتاً فيصف الشاعر هذا الموقف بقصيدة كتبت في ذلك التاريخ وما زالت حتى الآن يقرأها العربي ويتأثر بطريقة العبارة لأن الشاعر يتخيل ثلاث من النوق تشاهد هذا المصرع ويبكي معها أو يتأثر بها. وصف العربي القديم القمر ووصف الشمس وقارن بين الجبال ووصف الأرض الصحراوية في جزيرة العرب عندما ينزل المطر وتتحول بأسابيع إلى حديقة غناء كيف يتأثر.

هذه مجموعة من الجماليات وأعتقد أن في كل لغة، دون استثناء، الجماليات الخاصة بها، نستطيع أن نتعلم اللغة للتواصل فحسب، ونستطيع أن نتعمق فيها للترجمة، ونستطيع أن نتعمق بفلسفتها لنصل إلى الجماليات الموجودة في جميع اللغات دون استثناء.

أخبار الأمم المتحدة – بالطبع الفعالية التي تقام حاليا في المقر الدائم تأتي تحت عنوان "اللغة العربية في الأمم المتحدة: مسيرة 50 عاما". نحن بالفعل على مشارف الاحتفال بنصف قرن من اعتماد القرار التاريخي الذي انضمت بموجبه اللغة العربية إلى اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. برأيك ما أهمية هذا القرار؟ وماذا تقول بهذه المناسبة؟

الدكتور عبد الله الوشمي: لدينا رؤية في التخطيط والسياسة اللغوية في مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أن اللغات مهما كان موقعها في سلم اللغات، سواء من اللغات الست أو اللغات المركزية أو اللغة المركزية الأعلى أو اللغات العامة -كما نعلم في تاريخ اللغات هناك ما يزيد على 6000 لغة في أنحاء العالم- لدينا رؤية ترتبط بأن حضور اللغة هو للتواصل والثقافة، وأننا مع التعدد سوف نكتسب مزيدا من الثقافة والحضارة والمعرفة.

أنا أرى دائما وأكرر دائما أن المعنى موجود في الغرفة واللغات نوافذ لكي نشاهد هذا المعنى فقد تستطيع أن تكتفي بنافذة واحدة للغة التي تتكلمها وتستطيع أن تشاهد المعنى من زوايا ونوافذ متعددة، (عندها) سوف يتضاعف لديك المعنى وستشاهد الحقيقة من زوايا مختلفة، وستحتفظ بحزمة كبيرة من القصص والمواقف والثقافة.

دخول اللغة العربية إلى اللغات العالمية الست عام 1973 هو أمر مؤثر وجوهري في تاريخ اللغة العربية، إذ إن اللغة التي ترتبط بجغرافيا بشرية تصل إلى نصف مليار عربي ومجموعة من الدول تزيد على 22 دولة، واللغة العربية حاضرة في الثقافة الدينية وحاضرة عند العرق العربي وهناك امتداد قوي في الدول الإسلامية إضافة إلى أنه كتبت بها مجموعة من النصوص والثقافات والكتب التي ترجمت.

هذه اللغة بمجموعة من المقومات جديرة بأن تكون ضمن اللغات العالمية الست. عندما دخلت في عام 1973 انتقل التعامل الدولي مع اللغة العربية بوصفها لغة من ضمن اللغات المهمة وأنها لغة من اللغات العالمية الست. ولذلك جدير بالعرب والمؤسسات المعنية باللغة العربية أن يستثمروا هذا القرار بإطلاق المبادرات التي تدعم حضور لغتهم في هذه المنظمات وأن يدعموا العاملين في حقل اللغة العربية في هذه المنظمات مثل هذا اللقاء والعاملين فيه أو أقسام الترجمة أو أقسام اللغة العربية والأندية المختصة باللغة العربية وهو ما يحاول مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية عبر فعاليته أن يبدأ هذا الطريق وهو متأكد أنه سوف يجد الدعم والمؤازرة من الجهات المعنية داخل هذه المنظمة.

أخبار الأمم المتحدة: تم خلال الفعالية إطلاق مشروع كتاب تاريخ اللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة. من المشرف على هذا الكتاب؟ وما الهدف الأساسي منه؟

الدكتور عبد الله الوشمي: الهدف الرئيس من عموم أعمال المجمع، وفق ما يتلقاه المجمع من توجيهات من سمو رئيس مجلس الأمناء وزير الثقافة الأمير بدر حفظه الله، أننا لا نقدم أعمالنا نتيجة مبادرات فردية، ليس لها مرجعية علمية، نحن نريد أن نخدم اللغة العربية، نريد أن نذهب إلى الأمم المتحدة، هل سنذهب بالأفكار السريعة أم نذهب عبر دراسة منطقية. نحن نحب هذا المنهج بأن يأتي البحث العلمي أولا ثم تأتي البرامج التي تتكئ على البحث العلمي.

أطلقنا هذا المشروع ضمن مجموعة من المشروعات في المجمع، لدينا دراسة أولى بحثية بعنوان "اللغة العربية في المنظمات الدولية" دراسة قام بها مجموعة من الباحثين وتولى متابعتها الأستاذ الدكتور ناصر الغالي. ولدينا عمل حالي حول تاريخ اللغة العربية في منظمة التعاون الإسلامي ولدينا عمل آخر حول تاريخ اللغة العربية في منظمات أخرى.

حين بدأ التفكير لتنفيذ الفعالية في منظمة الأمم المتحدة وبعد الاجتماع الأول في السنة الماضية أعلنت الفكرة أننا نتجه للسنة القادمة أن يكون لدينا حصيلة معرفية أوسع. انطلقت هذه المبادرة العلمية (إطلاق كتاب تاريخ اللغة العربية بالأمم المتحدة)، تولى متابعتها أخي الدكتور بندر الغميز أحد المشاركين في هذا الملتقى بكلمة، وجاء هذا الكتاب الذي يمثل دراسة استقصائية لتاريخ اللغة العربية ومراحل اعتماد هذا القرار إذ وجدنا أن عام 1973 هو العام الإشهاري ولكن كانت وراءه مجموعة من التواريخ المهمة التي علينا أن نحتفي بها ونحتفي بمن قام بها وما زال هذا المشروع قابلا للتعديل والاستدراك والبناء لأن هذه الطبعة الأولى التجريبية التي نقدمها للمختصين ونتطلع بحب وحرص وتعاون إلى جميع المختصين والمهتمين والمندوبيات للتواصل معنا.

أخبار الأمم المتحدة: لقد تحدثنا عن الكتاب وعن هذا المشروع القيم وهو كما ذكرت نسخة تجريبية وهناك إن شاء الله تحديثات مقبلة بعد الاستشارات التي تتم في ما بينكم. أريد أن أتحدث عن المجمع وإن كان هناك من إمكانية تعاون مستقبلي بين المجمع والأمم المتحدة في مجال حضور اللغة العربية في المنظمة وتعزيز دورها.

الدكتور عبد الله الوشمي: ‏نعمل في مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في المسار اللغوي والعربي في المنظمات الدولي عملا حثيثا متصاعدا، هي دعوة من خلال هذا المنبر الموقر لجميع الجهات المختصة باللغة العربية في المنظمة أو المندوبيات العربية أو الأقسام ذات الصلة بالتعاون عبر الوفد السعودي. نحن منفتحون ومهتمون بدعم نطاق الترجمة ودعم أقسام اللغة العربية وتنفيذ الدورات والبرامج المشتركة إضافة إلى برامج المجمع التي يستطيع المهتمون الاطلاع عليها عبر الموقع ووسائل التواصل المتنوعة.

أخبار الأمم المتحدة: ‏ دكتور عبدالله، إذا أردنا أن نشجع غير المتحدثين باللغة العربية كيف نشجعهم على خوض هذه التجربة وتعلم اللغة؟ كيف تشدّهم؟ كيف تجذبهم؟ ماذا تقول لهم؟

الدكتور عبد الله الوشمي: ‏سأقول لهم في البداية إن العرب جميعا يقفون منصتين لكل ما قاله سيبويه2، وهو العالم غير العربي الذي ألف الكتاب وأصبح ركنا من أركان العربية.

ننظر في المجمع وفي العربية إلى شركائنا أنهم أصبحوا من المشتركين في صناعة المعرفة اللغوية، بل إن بعضهم وصل إلى أن يكون أستاذا للعرب، كما فعل سيبويه رحمه الله.

أخبار الأمم المتحدة: شكرا الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية شكرا جزيلا ونتمنى كل التوفيق وإلى المزيد من التعاون إن شاء الله

الدكتور عبد الله الوشمي: ‏تشرفنا أهلا وسهلا ومرحبا

أخبار الأمم المتحدة: شكرا لكم

1) ابن جني: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، المتوفى سنة 392 هـ. له كتاب “الخصائص” في فقه اللغة، وكتاب “سر الصناعة” في الإعراب. كان صاحب الشاعر المتنبي، ويُعدّ أول من شرح أشعار ديوان المتنبي.

2) سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي البصري، المتوفى سنة 180 هـ. ساد أهل عصره في اللغة على حداثة سنّه، وله فيها كتابه “الكبير”، أو كما يعرف بـ “كتاب سيبويه”. تُوفي في الثلاثينيات من عمره.

تنزيل

يسعى مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية إلى ربط اللغة بالثقافة وفهم اللغة العربية في سياقها الجمالي الكبير بما في ذلك ارتباطها "بالغناء والموسيقى وجماليات الخط العربي، وبالأزياء والنقوش، وفي ما يكتب على الجدران، وعلى الجبال، وعلى الأيدي، وفي ما يتحور."

مفتوح configuration options

هذا ما قاله لنا الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، في حوار على هامش فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية بالمقر الدائم للأمم المتحدة والتي نظمها المجمع بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة.

أوضح الدكتور الوشمي أن "الكلمة التي نقولها في السعودية تختلف عن الكلمة التي تقال في الشام والعراق، وربما الكلمة التي تقال في العراق تختلف عما يقال في مصر، والذي يقال في مصر يختلف عما يقال في المغرب العربي أو السودان أو غير ذلك"، مشيرا إلى أن هذه حزمة من المؤثرات التي تنشأ فيها اللغة أياً كانت واللغة العربية بصفة خاصة، لإن "اللغة كما نعلم جميعا هي كائن حي يتأثر ويؤثر".

ولدى مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية رؤية في التخطيط والسياسة اللغوية مفادها بأن حضور اللغات مهما كان موقعها في سلم اللغات، سواء من اللغات الست (بالأمم المتحدة) أو اللغات العامة، "هو للتواصل والثقافة"، وأنه "مع التعدد سوف نكتسب مزيدا من الثقافة والحضارة والمعرفة."

الدكتور الوشمي تطرق أيضا إلى إطلاق المجمع لكتاب "تاريخ اللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة" الذي يمثل دراسة استقصائية لتاريخ اللغة العربية ومراحل اعتماد القرار الذي أصبحت بموجبه اللغة العربية اللغة الرسمية السادسة في الأمم المتحدة. ويوضح د. الوشمي أن عام 1973 هو العام الإشهاري ولكن كانت وراءه مجموعة من التواريخ المهمة التي علينا أن نحتفي بها ونحتفي بمن قام بها. وقال إن "هذا المشروع ما زال قابلا للتعديل والاستدراك والبناء لأن هذه الطبعة الأولى التجريبية التي نقدمها للمختصين ونتطلع بحب وحرص وتعاون إلى جميع المختصين والمهتمين والمندوبيات للتواصل معنا."

ولكن ماذا قال الأمين العام للمجمع لجذب غير المتحدثين باللغة العربية إلى خوض التجربة وتعلمها؟ وما علاقة سيبويه بالموضوع؟

الجواب في هذا الحوار الخاص:

مدة الملف
حوارمع الدكتور عبد الله الوشمي
مصدر الصورة
UN News/Nabil Midani