منظور عالمي قصص إنسانية

حوار من الميدان.. رمضان بعيدا عن الأهل في تونس من أجل خدمة السلام

حوار من الميدان.. رمضان بعيدا عن الأهل في تونس من أجل خدمة السلام

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي جعلك تريدين أن تصبحي ضابطة حفظ سلام في بعثة تابعة للأمم المتحدة؟  

نادية خليفي: هناك سببان، الأول سبب موضوعي والثاني بصراحة سبب شخصي. السبب الموضوعي هو المساهمة في حفظ السلام في هذا البلد ومساعدة المدنيين الضعفاء الذين هم أكثر عرضة للخطر في مهمات حفظ السلام. أما السبب الثاني فهو سبب شخصي، من خلال تعاملي مع مختلف الجنسيات فإن ذلك مكنني ويمكنني من إثراء التجربة الذاتية، وأيضا تمثيل بلدي أفضل تمثيل. 

أخبار الأمم المتحدة: ما وظيفتك بالتحديد في البعثة؟  

نادية خليفي: أنا أشغل منصب رئيسة الموظفين بالفرقة الميدانية المشتركة في العاصمة بانغي، وهذا عمل إداري ولوجستي، ونخرج إلى الميدان للضرورة رفقة زملائنا للقيام بالواجب. 

أخبار الأمم المتحدة: في بلد مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يوجد الكثير من العنف الجنسي ضد المرأة، هل يصنع وجود شرطية نسائية في البعثة فرقا؟ وكيف؟  

نادية خليفي: طبعا وجود المرأة له تأثير إيجابي حيث إن الشرطة النسائية لها دور مهم وإستراتيجي، حسب التجربة، في إنجاح مهمة حفظ السلام. حيث إن وجودها يسهم ميدانيا بشكل كبير. سأذكر مثالا بسيطا، وجود المرأة في الميدان يساهم في التخفيف من العنف المسلط على المرأة، حيث يعزز وجود النساء في بعثة حفظ السلام الثقة بينها وبين المرأة المحلية، خاصة فيما يتعلق بموضوعات حساسة، مثل الاغتصاب والتحرش. فكما تعملون تعاني جمهورية أفريقيا الوسطى من نزاعات منذ ست سنوات، والضحايا هم النساء والأطفال خاصة. لذا فإن وجود المرأة يعزز الثقة بين المرأة المحلية والنساء في بعثة الأمم المتحدة لكي تتمكن من البوح بما يخالجها وكل ذلك. وهذه أشياء لا تستطيع المرأة البوح بها للرجل، بل للمرأة فقط. هذا رأيي الشخصي. 

أخبار الأمم المتحدة: هل يخطر ببالك الآن موقف مؤثر تودين مشاركته معنا؟ 

نادية خليفي: كل يوم هنا في المهمة نشهد مواقف مؤثرة، ولكن هناك حادثة وقعت لامرأة تم اغتصابها جماعيا عام 2015 من قبل جماعات مسلحة هاجمت قريتها. قامت هذه الجماعات المسلحة باغتصابها جماعيا بعد أن قتلوا زوجها أما أعينها. أثناء إحدى الدوريات في إحدى القرى، لاحظنا الحالة النفسية والبدنية الصعبة لهذه المرأة، فاقتربنا منها وحاولنا التخفيف عنها، وقمنا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتتبع الجناة، ووكلنا موضوع هذه المرأة إلى وحدة مختصة بهذه القضايا هنا في البلاد، فتكفلوا بالموضوع من الناحية النفسية والقانونية. 

هناك أيضا أطفال الشوارع الذين نراهم في كل مكان نقوم فيه بالدوريات، حيث يقضون الليل والنهار في الشارع، وليس لديهم مأوى، وليس لديهم إمكانية التمتع بالحق لا في الصحة ولا في الدراسة. كل هذه لحظات قوية نمر بها ونراها عن قرب. 

أخبار الأمم المتحدة: هل تعتقدين أنه من المهم وجود مزيد من النساء في عمليات حفظ السلام؟ ولماذا؟  

نادية خليفي: وجود نساء في أرض المهمة له تأثير كبير جدا في صنع السلام. فحسب ما لاحظنا، تلعب المرأة المحلية في أفريقيا الوسطى دورا مهما في المجتمع، وهذا الدور المجتمعي المهم يساهم في تعزيز الثقة بين البعثة والمجتمع المحلي. 

أخبار الأمم المتحدة: كم مر عليك من الوقت في البعثة في أفريقيا الوسطى؟  

نادية خليفي: قدمت إلى أفريقيا الوسطى في شهر يوليو عام 2017، أي عام وثمانية أشهر تقريبا. 

أخبار الأمم المتحدة: وكيف أضاف العمل في مجال حفظ السلام لك أو غيّرك؟  

نادية خليفي: طبعا العمل مع جنسيات مختلفة أضاف لي تجربة ميدانية كبيرة وعزز ثقتي بنفسي. أيضا تطور المعرفة في مجالات حفظ السلام والتمكن من معالجة القضايا المعقدة بمزيد من الحرفية. 

أخبار الأمم المتحدة: في رأيك، ما الخصائص التي ينبغي أن يتمتع بها حفظة السلام الأمميون والتي من شأنها تسهيل عملهم؟ 

نادية خليفي: نحن طبعا لم نخرج عن نطاق القيم الأساسية التي نصت عليها الأمم المتحدة، ألا وهي الاندماج والاحترافية واحترام التنوع. طبيعة عملنا، حيث نعمل في دولة صغيرة، تحتم علينا أن نندمج، وأن نقوم بعملنا باحترافية ونحترم التنوع في هذه الدولة. 

أخبار الأمم المتحدة: بعد ما شهدتيه في الميدان، هل ستختارين العمل في عمليات حفظ السلام مرة أخرى؟ 

نادية خليفي: بصراحة، بالطبع. أكيد جدا لو أتيحت لي الفرصة مرة أخرى سأعيد المشاركة لمواصلة العمل الذي بدأته، حيث أري في نفسي القدرة على الإغاثة في عمليات حفظ السلام والمساهمة في استقرار هذه البلدان، خاصة مع وجود العديد من الضحايا أغلبهم من الأطفال والنساء. سأكون سعيدة جدا لو أعدت المشاركة في عملية لحفظ السلام، لأتمكن من مساعدة المدنيين الأبرياء.  

أخبار الأمم المتحدة: يحتفل الآن بشهر رمضان المبارك، ومن المعروف أن هناك العديد من المسلمين في أفريقيا الوسطى، كيف يحتفل بشهر رمضان هناك؟ وكيف يؤثر الصيام على حفظة السلام؟ أتوقع أن هناك العديد من حفظة السلام المسلمين في البعثة. 

نادية خليفي: نعم هناك العديد من الضباط المسلمين المشاركين هنا في البعثة في بانغي أو في كامل أرجاء أفريقيا الوسطى. وأنا حضرت رمضان هنا العام الماضي، وهناك حي اسمه بي كي 5 (PK5) يشهد دائما إطلاقا للنيران ومشاكل متواصلة بين المسيحيين والمسلمين، ولكن في شهر رمضان لاحظنا أن إطلاق النار قد نقصت حدته احتراما لشهر رمضان واحتراما للمسلمين. وأتمنى أن يستمر هذا الوضع وأن تخطو البلاد نحو طريق السلام. 

أخبار الأمم المتحدة: وأنت هل تفضلين قضاء شهر رمضان في تونس أم في بانغي في أفريقيا الوسطى؟ 

نادية خليفي: لا أخفي عليك، قضاء شهر رمضان إلى جانب العائلة ممتع، ولن أستطيع ان أصف لك هذا الإحساس، ولكن الضرورة حتمت عليّ هذا العام أن أقضيه كاملا هو والعيد هنا في بانغي. طبعا هناك أولادي... ]عفوا[ ... ماذا أقول؟ رمضان صعب بعيدا عن العائلة، ولكن الواجب يحتم عليّ لكي أظل هنا في أرض المهمة. 

أخبار الأمم المتحدة: كم لديك من الأطفال؟ 

نادية خليفي: لدي ثلاثة أطفال تركتهم في بلدي، وأنا هنا من أجل التضحية ومن أجل بلدي والمساهمة في إحلال السلام في هذا البلد، وهذا أمر أفتخر به حتى وإن بعدت عن أولادي وعائلتي وأهلي في شهر رمضان، فأنا هنا للقيام بواجبي على أتم ما يكون، وبكل فرح وسرور أيضا. ولكن كما تعلم، عندما يكون هناك نداء للواجب، فلا يوجد أي شيء آخر سوى تلبية هذا النداء والقيام بعملي على أحسن ما يكون في أي مكان في العالم. 

أخبار الأمم المتحدة: إذا أردت توجيه رسالة لأولادك عبر أثيرنا، ماذا ستقولين لهم؟ 

نادية خليفي: أقول لهم إن شاء الله كل رمضان وأنتم بألف خير وسعداء. أنا هنا لأجلكم وتشريفكم وتشريف تونس والقيام بواجبي. إن شاء الله لا يزال هناك متسع من الحياة والعديد من الرمضانات المقبلة التي سأقضيها معهم، ولكن لو حتمت الضرورة فأنا هنا للقيام بواجبي.  

  

تنزيل

وجود المرأة له تأثير إيجابي كبير على إنجاح مهمة حفظ السلام في أي بلد، وإذا كان هذا البلد يعاني من صراعات مستمرة وتفش في العنف ضد النساء واستغلالهن جنسيا، يكون للشرطة النسائية دور مهم وإستراتيجي.  

هذا بحسب تجربة الضابطة التونسية نادية خليفي، ضابطة حفظ السلام في بعثة الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، التي وقعت منذ ست سنوات في أتون حرب أهلية وصراعات مسلحة واشتباكات طائفية بين المسيحيين والمسلمين، أثرت وما زالت تؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال.  

نادية خليفي، وهي محافظة شرطة من الصنف الأول، قضت قرابة العامين في أفريقيا الوسطى، حيث تعمل رئيسة موظفي الفرقة الميدانية المشتركة في العاصمة بانغي، وهو عمل إداري ولوجستي، كما تقول، يتطلب أحيانا الخروج إلى الميدان. 

هي أم لثلاثة أطفال تركتهم خلفها في بلدها تونس من أجل تلبية نداء الواجب. أكدت خليفي أنها إنما ذهبت إلى أفريقيا الوسطى من أجل التضحية ومن أجل بلدها والمساهمة في إحلال السلام في هذا البلد، وقالت: "هذا أمر أفتخر به حتى وإن بعدت عن أولادي وعائلتي وأهلي في شهر رمضان، فأنا هنا للقيام بواجبي على أتم ما يكون". 

ولكن قضاء الأعياد والمناسبات، مثل شهر رمضان وعيد الفطر، بعيدا عن الأحباء يثقل القلب ويدمع العين كما قالت.  

الزميل مصطفى الجمل اتصل بالرائدة نادية خليفي هاتفيا، في عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى بانغي، وسألها عما دفعها إلى الالتحاق ببعثات حفظ السلام. 

Soundcloud

 

محافظة شرطة من الصنف الأول نادية خليفي، ضابطة حفظ السلام في بعثة الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
الصوت
مصطفى الجمل
استمع
10'14"
مصدر الصورة
MINUSCA/Herve Cyriaque Serefio.