منظور عالمي قصص إنسانية

هل تواجه الأونروا أزمة وجودية أخرى عام 2019؟

هل تواجه الأونروا أزمة وجودية أخرى عام 2019؟

أخبار الأمم المتحدة: نتحدث أولا عن الموضوع المهم والصعب، ما الوضع المالي للأونروا في الفترة الحالية؟

سامي مشعشع: كما يعرف العديد فإن الوكالة بدأت بعجز قارب على نصف مليار دولار من أصل ميزانيتها التي تبلغ مليارا ومئتي مليون دولار وبالتالي الوكالة هي من وكالات  الأمم المتحدة المتخصصة القليلة التي بلغ عجزها ثلث ميزانيتها، أي وكالة أخرى كانت ستكون في موقع الخطر لو أنها واجهت ما واجهته الأونروا. هذا العجز جاء بسبب ترحيل عجز مركب من عام 2017 بالإضافة إلى القرار الأمريكي بتخفيض مستوى التبرعات بقيمة 300 مليون دولار. وبالتالي أن نبدأ العام المالي بعجز 446 مليون دولار كان يعني أن الوكالة بمجمل عملياتها كادت أن تعصف بها الريح، لولا أنها اعتمدت سياسة تمويلية هجومية الطابع من خلال إطلاق حملة "الكرامة لا تقدر بثمن" التي أردنا عبرها تعويض الفاقد الأمريكي 300 مليون دولار وأردنا أيضا خلق آلية عدم الاعتماد على متبرع كبير واحد. الوكالة كما تدركون تعتمد على تبرعات طوعية مباشرة. ميزانية الوكالة تأتي من التبرعات ما عدا 3 % تأتي من ميزانية الأمم المتحدة، ورواتب الموظفين الدوليين أيضا تأتي  من السكرتارية العامة للأمم المتحدة. وبالتالي هذه الحملة، "حملة الكرامة لا تقدر بثمن،" فسحت المجال للوكالة لتقييم وتثبيت علاقتها مع المتبرعين التقليديين الآخرين. أمريكا كانت أكبر متبرع على مدى ستة عقود وبالتالي أردنا الالتفات إلى المجموعة الأوروبية ثاني أكبر متبرع، وأعدنا تأهيل هذه العلاقة وزادت هذه الدول من مستوى تبرعاتها للوكالة وسارعت بدفع مستحقاتها لعام 2018 ومن ثم التفتنا إلى الدول الجديدة، بمعنى كيف نستطيع تعزيز التبرعات العربية ونحن لدينا الآن نجاحات كبيرة مع الدول العربية.

أخبار الأمم المتحدة: هل الدول العربية تعتبر دولا جديدة من ناحية التبرعات؟

سامي مشعشع: الدول العربية تعتبر دولا سخية الطابع عندما نأتي إلى دعم خدماتنا الطارئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي نداء الطوارئ في سوريا، ولكنها مجتمعة لا تقدم سوى 2 إلى 3 % من إجمالي الميزانية العادية بالرغم من وجود قرار لجامعة الدول العربية بأنها يجب أن تقدم 8 % من هذا التبرع. ولكن محصلة الأمور أن هذه السياسة التمويلية الهجومية الجديدة سنحت لنا الارتقاء بمستوى التبرعات العربية، فلأول مرة السعودية وقطر والإمارات العربية تعطينا 50 مليون دولار من كل منها، والكويت 42 مليون دولار للميزانية العادية ونحن نصرفها كما نرى مناسبا؛ هذا جديد وغير مسبوق ونأمل الآن أن يترجم للسنوات القادمة. بالإضافة لذلك توجهنا إلى العالم الإسلامي، ماليزيا وإندونيسيا، وإلى القطاع الخاص وإلى أيضا الصناديق الدولية كصندوق التنمية الإسلامية والوقف الخاص للأونروا والبنك الدولي ومحاولة خلق صندوق خاص للوكالة. ما أريد أن أقوله إننا استطعنا خلال عشرة أشهر، وهذا رقم قياسي، أن نخفض مستوى العجز المالي من 446 مليون دولار إلى 64 مليون دولار.

أخبار الأمم المتحدة: العجز في ميزانية الأونروا يعني تقليص خدماتها أو تقليلها أو قطع بعض الخدمات ووقفها.

سامي مشعشع: يعني نحن بشق الأنفس أخذنا قرار فتح المدارس مع إدراكنا أن الأموال لم تكن موجودة في البنوك. ما زلنا نعاني من سيولة نقدية الآن لأن جزءا كبيرا من التعهدات التي تم تحديدها من الدول لم تصل إلى البنك، وبالتالي نحن الآن نعيش في أزمة سيولة نقدية. والتحدي الأكبر عام 2019 هو كيفية إكمال عامنا الدراسي الذي بدأ في سبتمبر 2018، لماذا؟ لأن الإدارة الأمريكية مع بداية العام قلصت مبلغ 360 مليون دولار مستوى تبرعاتها الإجمالي إلى 60 مليون دولار ولكن في أغسطس قررت أنه في العام 2019 لن تعطي الوكالة سنتاً واحدا، وبالتالي نبدأ العام 2019 بعجز مباشر بقيمة 360 مليون دولار وهو، رجوعا على سؤالك، سيضعنا أمام مأزق وجودي مرة أخرى وليس فقط مالي. 100% من ميزانية الطوارئ في الضفة الغربية كانت تأتي من التبرع الأمريكي و70% من ميزانية الطوارئ لسوريا كانت تأتي من التبرع الأمريكي و70% من ميزانية الطوارئ في غزة كانت تأتي من التبرع الأمريكي، وبالتالي اختفت بين ليلة وضحاها. هذا ضرب قدرتنا على الإيفاء بالتزاماتنا للخدمات الطارئة تحديداً في غزة حيث إن غزة هي أكثر المواقع، هي وسوريا، احتياجا فيما يتعلق بالخدمات الطارئة. ثلاث حروب ضروس أثرت على السكان مع البطالة والإغلاق والحصار، وبالتالي الوكالة اضطرت إلى تقليص عدد العاملين لديها الذين يعملون تحت بند التوظيف الطارئ واضطررنا إلى عدم تجديد الوظائف لـ 113 شخصا من أصل 1000 موظف يعملون لدينا على نظام الطوارئ. ولا ننسى أن لدينا 13 ألف موظف يعملون لدينا على نظام العقود الثابتة في غزة.

أخبار الأمم المتحدة: وتجدر الإشارة إلى أن معظم الموظفين من لاجئي فلسطين، فالموظف يعيل عائلته وفي النهاية هي دائرة مغلقة تؤثر على الجميع.

سامي مشعشع: نعم يعني أي وظيفة لا تُجدد في غزة هي مأساة ليس فقط لعائلة الموظف ولكن أيضا لعائلته الممتدة وحتى لأبناء العمومة، لأن البطالة عالية جدا، إن 69 % بين الشباب القادرين عن العمل عاطلون و 71 % من النساء العاملات عاطلات عن العمل في غزة تقريبا، 50 % بطالة عامة، بالإضافة إلى البطالة المقنعة وبالتالي أي وظيفة تُفقد تُسبب أزمة، لهذا السبب كان لدينا نوع من التشاحن مع نقابة العاملين هناك، لأنهم رأوا أن هذا يضر بالموظفين ولكن الوكالة أيضا اضطرت إلى تقليص أو تخفيض مستوى خدماتها في جملة من الخدمات مثلا الصحة النفسية. إن الأطفال عاشوا 3 حروب ومع ذلك يتم تخفيض خدمة الصحة النفسية لهم في المدارس وفي العيادات، هذا كان له تأثير، ولكننا حافظنا على مكون أساسي من خدماتنا الطارئة وهي توزيع مواد غذائية وعينية لمليون لاجئ فلسطيني في غزة كل ثلاثة أشهر وبالتالي حافظنا على بعض مكونات نظام الطوارئ وقلصنا وخفضنا بعضها الآخر.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثت عن الدول وهي المصدر الرئيسي للتمويل، ولكن كيف يمكن للمواطن في أي دولة أن يساعد الأونروا في هذا الأزمة الطارئة؟

سامي مشعشع: المثير بهذا الموضوع أن القرار الأمريكي لم يسبب فقط أزمة مالية للوكالة ولكن سبب أزمة وجودية. لماذا؟ لأن هذا القرار واكبته حملة ضروس ضد الوكالة كانت تشكك بولايتها، وبدورها، وبحيادها، وبنزاهتها. كان هناك اتهام بأننا نعزز الاتكالية بين صفوف اللاجئين أنه وبعد سبعة عقود يجب أن نذهب للبيت، ولكن بالمقابل عشرات الدول جاءت لنصرة الوكالة وأعطت الوكالة دعما سياسياً ودبلوماسيا غير مسبوق وأردفته بدعم مالي. لماذا؟ كانت الرسالة: نحن كدول ندرك أننا فشلنا فشلا ذريعا في إيجاد حل سياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والوكالة عنصر استقرار وعنصر تنمية بشرية، وهي الأفق الوحيد لمستقبل أفضل لملايين الشباب، وبالتالي أمام فشلنا السياسي يجب أن ندعم الوكالة. كان لهذا صدى كبير، فحملة الكرامة لا تقدر بثمن كان لها صدى كبير بين الدول كما كان لها صدى كبير بين الشخصيات الاعتبارية وبين الأفراد. رأينا أفرادا يتبرعون ما بين صفوف اللاجئين وفي العالم العربي وأيضا في الأمريكيتين وفي أوروبا رأينا أشخاصا يتبرعون بخمسين دولارا وثلاثين دولارا و 25 دولار اكتعبير ليس فقط مالي ولكن أيضا تعبير ميداني شعبي، لأنهم يدركون تماما أن اختفاء الوكالة هو اختفاء للأمل لملايين اللاجئين الفلسطينيين .. "حلّوا فشلكم السياسي" هذه كانت رسالة هؤلاء الأفراد للعالم وللمجتمع الدولي. حلّوا الجانب السياسي ومن ثم ستختفي الوكالة.

نحن نحبو خطواتنا الأولى في هذا القطاع ولكن البوادر جيدة أيضا وتظهر في التبرع الإسلامي من الزكاة والصدقات، فوجئنا بردود فعل إيجابية ونحن أيضا وضعنا اللبنات الأولى لكيفية العمل مع العالم الإسلامي ودول آسيا الوسطى. كيف نعزز هذا التبرع بدون أن نفقد الوكالة دوليتها، نحن لا نريد تعريب الوكالة ولا نريد أسلمة الوكالة ولكن نريد أن ترتقي الدول العربية والدول الإسلامية بمستوى تبرعاتها وتماثل الدعم من الدول الغربية.

أخبار الأمم المتحدة: المستفيدون من الأونروا كثيرون وبعضهم وصل إلى مراكز مهمة في مختلف أنحاء العالم، لكن لماذا لا نسمع الكثير من الأصوات المنادية بدعم الوكالة؟

سامي مشعشع: هذا سؤال وجيه ولا أخجل بتاتا من توجيهه. هناك قدرات فلسطينية في الأميركتين والعالم العربي وأيضا أشخاص ذو اقتدار اقتصادي داخلي. القطاع الخاص الفلسطيني يحاول أن يتفاعل ويقدم مساعدات لقطاعات واسعة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكنه يعتقد أن أولوياته ليست هي أولويات الوكالة، وأنا أتفهم ذلك. ورغم ذلك كان هناك بعض المساعدات الجيدة والدعم الجيد من القطاع الخاص الفلسطيني، ولكن أعتقد أن الأشخاص المتمتعين بصفة اعتبارية من الفلسطينيين والعرب لم يكن تجاوبهم ضمن المستوى المطلوب. نحاول تعزيز صوتنا الإعلامي وصوتنا في الإعلام والتواصل ولكن قدرات الوكالة المالية دائما تذهب لمصلحة اللاجئ الفلسطيني أولا. ولكن باعتقادي أن حملة الكرامة لا تقدر بثمن قد نجحت في إيصال صوتنا. وانتقلنا خلال عشرة أشهر من هجوم كاسح يريد إنهاء الوكالة وأزمة مالية هي الأسوأ، إلى التعافي بشكل كبير من الأزمة المالية على الأقل خلال عام 2018 وإعادة الاعتبار لملف اللاجئين الفلسطينيين ووقف وراءنا كم هائل من الدول وعدد أكبر من الأشخاص الداعمين في أنحاء العالم. هذا فشل لمن حاول إفشال الوكالة ونجاح للوكالة وأصدقائها وداعميها.

أخبار الأمم المتحدة: سيد سامي هل أنت من لاجئي فلسطين؟

سامي مشعشع: نعم، هناك تصنيف لدى الوكالة للاجئ الفلسطيني بأنه من فقد منزله أو مقومات حياته ما بين 1946 و1948. ولكن هناك أيضا بعض الفئات الأخرى التي استفادت من الوكالة وتم تسجيلها. أنا من فئة "فقراء القدس" وهم الأشخاص الذين هُجروا داخليا من القدس الغربية إلى القدس الشرقية، وتم تسجيلنا كفقراء القدس. أفتخر جدا بأنني مسجل لدى الوكالة، استفدت منها طوال عمري. وطريقتي في شكر الوكالة تتمثل في أن أعمل بها. وأنا جزء من الأشخاص الذين ينادون بإنهاء الوكالة. وقد يستغرب البعض عندما أقول إنني أتطلع إلى اليوم الذي تنتهي به، ليس ضمن الشروط المنصوصة إسرائيليا، ولكن ضمن التوجه الدولي: حلوا قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسيا كما يرتأي أصحاب القضية وسأكون أكثر الأشخاص سرورا عندما أغلق باب مكتبي وأتوجه للبيت.

تنزيل

يتطلع سامي مشعشع المتحدث باسم وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) إلى اليوم الذي ينتهي فيه عمل الوكالة، ولكنه يسارع بالتأكيد أن ذلك يجب أن يكون بعد التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين.

أثناء زيارتنا للقدس التقينا السيد مشعشع في مكتبه، وتحدثنا معه عن الوضع المالي للوكالة وكيف تمكنت من التغلب حتى الآن على أزمة مالية طاحنة كانت الأكبر في تاريخها ومحاولات التشكيك في عملها. وأعرب عن فخره بانتمائه لفئة "فقراء القدس" المشمولة بولاية الوكالة، مما مكنه من الاستفادة من خدمات الأونروا في طفولته وشبابه.

مدة الملف
15'41"
مصدر الصورة
UN News/Reem Abaza