منظور عالمي قصص إنسانية

24 عاما من الدبلوماسية الهادئة.. كيف أبصرت شمال مقدونيا النور

24 عاما من الدبلوماسية الهادئة.. كيف أبصرت شمال مقدونيا النور

أخبار الأمم المتحدة: قلت إن مهمتك لم تكن مملة أبدا، حيث مر عليك في المنصب عدد متغير من الشخصيات. وقد قلتَ عن ذلك "تخيل أنك مخرج لمسرحية من مسرحيات شكسبير – ربما كانت الملك لير أو هامليت، ولكنك تخرجها بممثلين مختلفين وفي ظروف مختلفة"– ما مدلول الاسم؟ وما الذي كان معرضا للخطر والخسارة؟

ماثيو نيميتز: هذه مسألة تخطر على بال العديد من الناس فيقولون: يا لها من قضية مملة أن تقضي 24 عاما تركز على كلمة واحدة، اسم واحد. لماذا لا يستطيع الناس التوصل إلى اسم في خمس دقائق؟ ولكن هناك مشكلات أساسية بالطبع. لم يكن الاسم فقط، فالاسم كان مثل قمة جبل جليدي واضحة ولكن القضية أعمق بكثير، تتعلق بالهوية في كلا البلدين. القضية نفسها لها جوانب تاريخية وعاطفية، ولا تزال موجودة. كنا نجلس نتحدث حول الإسكندر الأكبر وفيليب المقدوني وشخصيات تاريخية عظيمة، ولكن بالنسبة للغادي والقادم، يلقي التاريخ بثقله بشكل كبير على تلك المنطقة.

أخبار الأمم المتحدة: بمناسبة الإسكندر الأكبر، أود أن أسألك عن تلك اللحظة التي وحدّت الطرفين ضدك، حينما بدأت تماثيله في الظهور في اليونان وشمال مقدونيا. ماذا حدث؟

ماثيو نيميتز: إحدى القضايا كانت الإرث التاريخي، وما إذا كان تراثا مشتركا أم تراثا يونانيا. كانت هناك تماثيل للإسكندر الأكبر (في شمال مقدونيا) وكانت هذه مشكلة في اليونان. كانت قضية غريبة، وغالبا ما كنت أضرب مثلا بتمثال يكرم غاندي في نيويورك على أنه لفتة لطيفة. ولكن إذا ادعينا أن غاندي شخصية أمريكية، فسيشعر الناس في الهند بأن هذا أمر غريب جدا. وما حدث حينئذ هو إنني قلت تعليقا غير لائق، في إحدى المرات التي أدليت فيها بتصريح غير صحيح ومهين إلى حد ما عن الإسكندر الأكبر، قلت ’لماذا ينصب اهتمام الجميع على الإسكندر الأكبر ربما ينبغي لنا النزول عن ذلك.‘ غضب الجميع مني، على الجانب اليوناني وفي جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة. كان عليّ أن أعتذر وأسحب بياني وأقرّ بعظمة وتأثير الإسكندر الأكبر، الذي أنجز أشياء مدهشة ونشر الثقافة الهيلينية في جميع أنحاء العالم وحول المنطقة بأكملها من اليونان إلى أفغانستان وما وراءها، وإلى الهند. لذلك أنا حريص جدا على عدم قول أي شيء سيئ عن هؤلاء الرجال، من فيليب المقدوني إلى الإسكندر الأكبر والأعيان الآخرين.

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي كان يحدث عندما يتغير عليك الوزراء والقادة؟ هل كان عليك أن تبدأ من نقطة الصفر؟

ماثيو نيميتز: القادة يتغيرون. وأنا أعتقد أن القادة لديهم تأثير كبير على التاريخ. القادة في كلا البلدين كانت لديهم مواقف مختلفة تجاه هذه القضية، وكانت هناك فترات وضع فيها القادة في إحدى البلدين القضية على قائمة الأولويات، والبعض الآخر لم يكونوا مستعدين لخوض مخاطر كبيرة في هذا المجال.

ولكن أعتقد أن الجانب الإيجابي، وأحد الأسباب التي أدت إلى هذا الاتفاق، هو وجود توافق بين الزعيمين – رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس ورئيس الوزراء زايف في جمهورية شمال مقدونيا – اللذين قررا حقا أنهما يريدان حل هذا المشكلة، من خلال حشد الزخم السياسي لذلك وخوض بعض المخاطر وتقديم بعض التنازلات.

أخبار الأمم المتحدة: ما الأسماء الأخرى التي كانت مقترحة؟

ماثيو نيميتز: على مدى سنوات عديدة، قدمت العديد من الأفكار عن الأسماء، لم تأت مني فقط ولكن من آخرين أيضا. اقترحت في يناير 2018، قبل أكثر من عام بقليل، خمسة أسماء مختلفة. الاسم الدستوري هو جمهورية مقدونيا، ولكن هنا في الأمم المتحدة والعديد من البلدان كنا ما زلنا نستخدم الاسم المؤقت جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة. وهو صعب القول، كما تعلمين. أذكر ذات مرة أن الأمين العام السابق بان كي مون قال لي ’عليك أن تحل هذه المسألة لأنني لا أستطيع أن أتذكر تماما ما هو الاسم.‘ ففي إحدى المرات قال ’جمهورية اليوغوسلاف السابقة في يوغوسلافيا،‘ واختلط الأمر عليه وحاول تذكر الاسم.

لذلك قدمت خمسة اقتراحات – جمهورية مقدونيا الشمالية، الذي تم استخدامه في نهاية المطاف، وجمهورية مقدونيا العليا، وجمهورية مقدونيا الجديدة، وجمهورية فاردار مقدونيا، فاردار هو النهر الذي يتدفق عبر البلاد، وجمهورية مقدونيا - سكوبيه. وقلت ها هي خمسة أسماء، لطيفة وسهلة النطق ومشرفة. ولكن القضية كانت أن مقدونيا منطقة كبيرة، إنها منطقة والدولة تقع فيها، ولا تشغل المنطقة بأكملها. لذلك من وجهة النظر اليونانية، إذا سموا أنفسهم جمهورية مقدونيا فسيعني ذلك أن المنطقة بأكملها ملكهم.

المثال الذي كنت أطرحه هو: دعينا نقول إن السويد غيرت اسمها من السويد إلى اسكندنافيا، فماذا سيقول النرويجيون والدانماركيون؟ ماذا يعني هذا؟ هل يعني أنهم ليسوا اسكندنافيين.

أخبار الأمم المتحدة: ولكنك ثابرت على العمل. ما الذي حفزك على الاستمرار وعدم الاستسلام؟

ماثيو نيميتز: أنا لا أحب أن أستسلم. بادئ ذي بدء، إنه أمر مثير للاهتمام للغاية. ولم يرغب الطرفان في طردي. كنت أسألهم ’إذا كنتما تعتقدان أن شخصا آخر سيؤدي عملا أفضل مني أو أنكما سئمتما من رؤيتي، قولا لي‘. ولكن سبب فخري هو إنني طورت حسا من الثقة مع الطرفين، ولم يـُنظر لي من قبل جانب على أنني منحاز إلى الجانب الآخر. في بعض الأحيان قد يقول لي أحد الأطراف ’أنت تتحاور أكثر من اللازم مع الجانب الآخر‘، ولكن بشكل عام على مدى 24 عاما، حافظت على علاقات جيدة مع كلا الجانبين، وأشعر بالرضا حيال ذلك.

أخبار الأمم المتحدة: انتهت مهمتك وجنيت منها الكثير من المال. عشرون دولارا على مدى عشرين عاما.

ماثيو نيميتز: دولار واحد سنويا، وليس دولارا واحدا في اليوم. الشيء المضحك هو إنني لم أحصل على هذا الدولار أبدا، لم يعطوني الدولار في الواقع. اشتكيت ذات مرة وقلت أريد راتبي. ولكنهم دفعوا رحلاتي وأجرة الطيران الخاصة بي وفندقي. في إحدى المرات تلقيت إخطارا من موظفي الخزانة هنا في الأمم المتحدة قالوا لي إنهم دفعوا لي مبلغا قدره 12.50 دولار أو شيء من هذا القبيل قبل عامين، نرجو إعادة هذا المبلغ. لذلك قلت سأعيد إليكم مبلغ الـ 12.50 دولار، لكنكم لم ترسلوا لي الدولار السنوي.

تنزيل

في حزيران / يونيو الماضي، ساهم اتفاق تاريخي في تسوية نزاع على اسم بلد دام أكثر من 27 عاما بين ما كان يعرف بجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة واليونان. رجل واحد، المبعوث الشخصي للأمين العام ماثيو نيميتز، قاد المفاوضات بصبر وعزيمة نيابة عن الأمم المتحدة لأكثر من عقدين من الزمن، وقال لأخبار الأمم المتحدة، في مقابلة حصرية، إن إيمانه بالخروج بنتائج إيجابية لم يتزعزع أبدا.

في النهاية، أنجزت مهمة السيد نيميتز بنجاح عندما صادق برلمانا البلدين على "اتفاقية بريسبا" برعاية الأمم المتحدة بين أثينا وسكوبيه (عاصمة شمال مقدونيا) ودخلت حيز التنفيذ رسميا في 12 فبراير / شباط، ليتحول اسم الدولة من "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة" إلى "جمهورية شمال مقدونيا".

المزيد في حوار الزميلة إيلينا فابنتشينايا مع السيد نيميتز.

استمع
8'
مصدر الصورة
أخبار الأمم المتحدة.