منظور عالمي قصص إنسانية

زيارتي إلى مخيم الزعتري: هذه المرة كان السوريون هم اللاجئون

زيارتي إلى مخيم الزعتري: هذه المرة كان السوريون هم اللاجئون

تنزيل

بقلم وصوت: فرح دخل الله المتحدثة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أشعر أنني كنتُ هنا من قبل. فالأمر مألوف بشدة: الرحلة الطويلة على الطريق الصحراوي تحت الشمس الحارقة، متجاوزين راعياً وحيداً يقود قطيعاً من الغنم، ثم محطةَ وقود منعزلة.

وبعد حاجزِ التفتيش، اقتربنا من شوارعَ مغبّرة تحفها بيوت مسبقة الصنع. وأفكر في نفسي، كان مكانـها خيم في عام 2009. ثم أتذكرُ أننا لسنا في سوريا، وإنما في الأردن، وأن هؤلاء اللاجئين ليسوا من العراق، وإنما من محافظة درعا ومن ريف دمشق.

قبل سبع سنوات كنت أعمل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، وتعرّفت جيداً على مخيمين يأويان لاجئين فلسطينيين من العراق. وفي هذين المكانين، كانت اللهجات الفلسطينية تخص اللاجئين، بينما اللكنة الشامية تخص الموظفين الوطنيين.

ولكن في هذه المرة، كان السوريون هم اللاجئون.

image
هذا هو مخيم الزعتري، المعروف بأنه ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم. وهذه المدينة الصحراوية التي تبلغ مساحتـها أربعةَ كيلومترات مربعة تأوي ثمانين ألف شخص، نصفـهم من الأطفال.

التقينا بعض الأطفال في مركز ’مكاني‘، حيث يحصلون على دعم نفسي وتربوي ويتعلمون مهارات حياتية. وثمة بنات يافعات حاذقات يشاركن في ألعاب على الكمبيوتر. وسألت طفلة اسمها أروى (11 سنة) كانت تنحني فوق شاشة الكمبيوتر، “ماذا تفعلين؟” وأجابت وكأنها تقول أمراً معروفاً للجميع “لعبة السماء”. ويبدو أن الجميع يعرفون هذه اللعبة إلا أنا.

image
جذب انتباهي كشك مصنوع من الصفيح – ومكتوب على واجهته ’قهوة العميد‘. يرحب بي رجل وابنه يقفان في الكشك بابتسامات دافئة. وصل أبو أنس وأسرتـه إلى الزعتري من ريف دمشق قبل ثلاث سنوات ونصف. وأطلق على محلـه اسم القهوة الأردنية الشهيرة لأن “تلك القهوة هي ما بدأنا ببيعه وما زلنا نبيعها حتى الآن”.

أصرّ أبو أنس أن يقدم لي الضيافة ورغم احتجاجي لم يقبل أن أدفع سعر قارورة ماء. ابتسم وهو يقدمها لي وقال “أنت تمنحيننا دعاية مجانية!”. وقد أوفيت بذلك إذ نشرت صورة لدكانته على حسابي في موقع تويتر فور وصولي إلى بيتي في ذلك المساء.

دخلت محلاً لبيع الأغذية مثيرا  للاعجاب يديره بفخر خليل أبو اليابس من بلدة إنخل في محافظة درعا. ويعرض بعناية كل أنواع المكسرات والبذور والفواكه المجففة والحلويات والحبوب أمام الزبائن. وقد افتتح خليل أبو اليابس المحل بعد شهرين فقط من وصوله إلى الزعتري قبل ثلاث سنوات ونصف.

image
وفي الجانب المقابل من الشارع، سمح لي شاكر العمري، مع بعض التحفظ، بدخول محل الخياطة الذي يملكه، والذي سماه تيمناً ببلدته ’درعا البلد‘. في البداية وافق فقط على التقاط صورٍ لمحله، وقال عابساً “لا أريد أن أظهر في الصحافة”. ثم بدأنا ندردش حول العصفورين اللذين يزقزقان في قفص معلق بسقف المحل. وقال “يطلق على هذه العصافير اسم عصافير الجنة”. وأضاف، “كنت خياطاً معروفاً في درعا البلد قبل وصولي إلى المخيم منذ ثلاث سنوات واشتركت في تدريبات متقدمة منذ ذلك الوقت”. وأشار إلى الشهادات المؤطّرة بالقماش على الحائط وقال “صورّيها “.
image
وفي نهاية المطاف وافق شاكر على التقاط صورة له وهو يجلس أمام ماكينة الخياطة، وشعرت بفخر صحفي كوني اكتسبت ثقتـه. وقبل مغادرتي، طلب مني أن أكتب عنوان الموقع الإلكتروني لليونيسف وعنوان صفحتي على موقع تويتر، وقال “أريد أن أرى الصور بعد نشرها”.

غادرت المكان وأنا محتارة لماذا يحدث كل هذا من جديد. ففي كل يوم يأتي واصلون جدد من الهاربين من الجحيم المستعر في سوريا المجاروة ويتوجهون إلى مخيم الأزرق الأحدث عهداً على الحدود الشرقية. وبعد مرور خمس سنوات على هذه الحرب، لا تبدو هناك نهاية في الأفق. فلماذا نسمح، ولماذا يسمح أي إنسان، لهذه الحرب أن تستمر؟

مصدر الصورة