منظور عالمي قصص إنسانية

كريس غانيس: أنا كمانع الصواعق أمتص غضب الآخرين حيال الأمم المتحدة

كريس غانيس: أنا كمانع الصواعق أمتص غضب الآخرين حيال الأمم المتحدة

تنزيل

خلال عقد من التحدث علنا ​​عن الاحتياجات الإنسانية الفلسطينية، شغل كريس غانيس منصب المتحدث الرسمي ومدير الاتصالات بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

تتم مراقبة حسابه على التوتير بعناية. وتفكك كل كلمة يتفوه بها وتحلل لفهم المقصود منها. فهو لا يكل ولا يمل من حبه للعمل الذي يتولاه. ​​وقضيته، بكل بساطة ، هي ال5 ملايين لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط الذين تعتني بهم الأونروا. وبسبب طبيعة عمله في إطار الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، تم شتم غانيس تارة وتبجيله طورا لالتزامه العنيد بتخفيف من معاناة الفلسطينيين.

غانيس الذي يعيش في القدس ولكن يغطي عمليات الأونروا في المنطقة المحيطة، قد عايش وعمل خلال خمسة حروب - ثلاثة منها في غزة، واحدة في لبنان وأخرى في سوريا - بالإضافة إلى العديد من اللحظات الأخرى التي تتسم بالتوتر الشديد والعنف فيما يعمل المجتمع الدولي نحو إحلال السلام في الشرق الأوسط.

تعرف أكثر إلى غانيس في الحوار التالي:

1- الأمم المتحدة: أنت في "المقعد الساخن" في الأونروا منذ عشر سنوات تقريبا. ماذا كانت توقعاتك عندما انضممت إلى الوكالة في البداية؟

كريس غانيس: كنت أعرف أنها ربما كانت أصعب وظيفة متحدث باسم الأمم المتحدة على كوكب الأرض - ولكن لم أكن أعرف بالضبط مدى صعوبتها، لأن العمل هو حقا بمثابة "مانع للصواعق" يمتص الكثير من الغضب المفهوم تماما حيال الأمم المتحدة بشكل عام - وليس فقط حيال الأونروا - من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

على الجانب الإسرائيلي هناك شعور بأننا نعمل فقط مع الفلسطينيين، وبأننا نقوم بكل هذا النشاط للفلسطينيين. ولكن هذا ما كلفتنا به الجمعية العامة، وهذا ما نقوم به بقدر ما في وسعنا. على الجانب الفلسطيني هناك الكثير من الغضب حيال ما نحن عليه - ومرة ​​أخرى، أنا بمثابة "مانع للصواعق" لذلك الأمر - لأنهم حرموا من حل عادل ودائم. لقد حرموا من حقوقهم السياسية وترتكب مظالم ضخمة بحق الفلسطينيين، وبصراحة، لم تكن الأمم المتحدة قادرة على فعل الكثير حيال ذلك.

أنظر إلى سوريا أو الصراع في الصيف الماضي في غزة: إنكار جسيم لحقوق الإنسان وكرامته. الأونروا على خط المواجهة في كل ذلك ونحن أقرب شيء يمثل المجتمع الدولي للفلسطينيين والإسرائيليين، وأنا ربما أكثر الوجوه المعروفة في هذا الشأن، لذلك أنا، كما قلت، "مانع للصواعق".

image
2- الأمم المتحدة: كيف يمكنك مفاوضة تلك "الصواعق" إذا صحّ التعبير؟

كريس غانيس: لدينا مفوض عام عظيم، هو رجل ذو مبادئ ويؤمن بالقيام بالدعوة العامة بالطريقة الصحيحة. ونحن نفعل ذلك بطريقة تحتوي الكثير من الجدل بقدر المستطاع، على أساس القانون الدولي، وولايتنا وعلى المبادئ الإنسانية. وعندما يكون هناك جدل، قد لا يمكنك في كثير من الأحيان أن تجري حوارا حول الشيء الذي تريد أن تتحدث عنه. فعندما تبدأ بالحديث حول انتهاكات حقوق الإنسان، حول الحماية، تدخل فجأة في نقاش حول إنْ كنت مستشرقا أو معاديا للسامية.

ويحاول المرء أن يحد قدر الإمكان من الضوضاء المحيطة بهذه المسألة بأن يكون ثاقب الفكر وحكيما جدا في طريقة معالجة الرسائل العامة؛ لذلك نحن نفعل كل ما في وسعنا لاحتواء والحد من التداعيات السياسية لما نقوله.

ولكن الحقيقة هي أننا نعمل، أنا أعمل، في مناخ سياسي قابل للاشتعال بشكل كبير. في أي لحظة، قد تحدث تفجيرات – بالمعنى الحرفي والمجازي - علينا أن ننظر إلى الأمام، علينا التنبؤ بها وعلينا أن نتخذ إجراءات احترازية بقدر ما في وسعنا.

image
3- الأمم المتحدة: كيف تتعامل مع هذا الضغط؟

كريس غانيس: سأكون كاذبا إذا حاولت التظاهر بعدم وجود ضغوط وبأنها لم تؤثر علي، لأنه بالنسبة لي هذه تجربة إنسانية كبيرة. أعتقد أن تكون متحدثا باسم الأمم المتحدة هو أن تتمتع بالإنسانية - وهذا لا يعني أن تصبح نفسك القصة - أعتقد أنه يعني أن تمثل ما تدافع عنه الأمم المتحدة وأن تجسد قيم الأمم المتحدة بما فيها الرحمة، والإنسانية، والكرامة، وكل تلك الأشياء، وفي الوقت نفسه أن تحاول أن تكون بليغا ومعبرا.

وأعتقد أن تكون مجرد متحدث باسم الأمم المتحدة في بدلة "أرماني" يضع حقا مسافة بين الأمم المتحدة والعالم الذي نخدمه. لذلك أنا لا أرتدي سترات في كثير من الأحيان، ولا أرتدي ربطة عنق في كثير من الأحيان. ولكنني ألتزم بجميع القواعد الداخلية للموظفين، وأنا مطوق بسياسات الصراع، وأنا ملزم بسياسات مجلس الأمن، وجميع الديناميكيات الأخرى.

ولكن، في غضون ذلك، أعتقد أنه من المهم أن تجد مساحة كبيرة لتكون إنسانا، لأن هذا ما يجب أن يسلم به العالم، في الأمم المتحدة - المؤسسة الإنسانية جدا- ومن واجبنا، كما أعتقد، أن نعكس ذلك ونعيش فيه، ونكون عليه. وهذا أمر مهم.

4-  الأمم المتحدة: ما هي أكبر التحديات التي تواجه الأونروا هذا العام؟

كريس غانيس: التعامل مع عجز الأونروا المالي الذي يقدر ب 101 مليون دولار هو بلا منازع التحدي الأكبر. إذا لم نتمكن من تأمين هذه الأموال قريبا، قد نضطر إلى اتخاذ قرار صعب قد ينطوي على عدم فتح مدارسنا في بداية العام الدراسي المقبل. وسيعد ذلك ضربة قاصمة للوكالة التي يعد التعليم أكبر برامجها. إن وجود 500،000 طفل، ممن يفترض أن نوفر لهم التعليم، في الشوارع في وقت يتصاعد فيه التطرف في منطقة الشرق الأوسط، يشكل احتمالا ينذر بالخطر. كما ستكون هذه السنة مثيرة للاهتمام في الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني، لأنه، وكما أعتقد، فإن ما شهدناه بعد أوسلو هو تآكل بطئ في عملية السلام، مما يجعل العمل الإنساني أكثر أهمية.

إن عدم وجود حل عادل ودائم، وعدم وجود أي إحساس بالعدالة الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، سيجعل من مناصرتنا، والعمل الذي نقوم به في الأونروا، وعملنا الجوهري من أجل التنمية البشرية أكثر أهمية. ومن هنا، من المرجح أن يجلب ذلك الهجمات السياسية والحماسية ضد الأونروا، التي تستند إلى فكرة لا معنى لها بأننا نسعى لاستدامة الصراع في الشرق الأوسط - ونحن بطبيعة الحال، لا نفعل ذلك. فسبب وجود الأونروا، كما قلت مرات عديدة هو الفشل السياسي. نحن مكلفين بالقيام بالعمل الإنساني حتى حل قضية اللاجئين حلا عادلا ودائما. وبينما يفشل العالم في إيجاد هذا الحل سوف نستمر في الوجود. ولأكون واضحا، لا تريد الأونروا شيئا أكثر من أن تنهي عملها، ولكن سيحدث هذا حين يجد أطراف الصراع حلا لقضية اللاجئين، إستنادا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

image
5- الأمم المتحدة: كيف أثرت الأزمة السورية على قدرة الأونروا على القيام بعملها؟

كريس غانيس: لقد كانت الأزمة السورية حقا غير متوقعة، واجتاحتنا تماما قبل أربع سنوات. وأنا أكرر للناس دائما أن ما يجب أن تقوم به الأونروا هو التنمية البشرية، وإدارة المدارس والعيادات الصحية. ولكن في كل مرة نحاول المضي في عملنا تحدث أزمة. يتجدد صراع غزة، أو تنشب حرب سوريا، وتضطر  الأونروا للانتقال إلى حالة الطوارئ، الأمر الذي تقوم به على أكمل وجه. وتعطي الأزمة السورية مثالا آخر على مدى حجم العمل الهائل الذي تضطلع به الأونروا نظرا للافتقار إلى الحل السياسي وفشل السياسة، وهذا هو السبب في قيامنا بجميع أعمال الطوارئ التي نقوم بها في سوريا. نعاني من نقص كبير في تمويلنا، وبالتالي لا يحصل اللاجئون على المساعدة التي يحتاجونها. على سبيل المثال في العام الماضي وزعنا أقل من 60 سنتا يوميا لكل لاجئ في سوريا - وهذا لا يكفي. لقد دمرت وتضررت  العديد من منشآتنا، ولا يمكن الوصول إليها، وبالتالي يشكل التمويل جزءا كبيرا من استجابتنا الإنسانية، ومع ذلك، لا يتوفر لها التمويل.

6-  الأمم المتحدة: هل لك أن توضح لنا، من خلال ما شاهدته، مدى التأثير السلبي للعنف؟

كريس غانيس: لقد عملت في الأونروا خلال ثلاثة حروب في غزة، وخلال حرب لبنان، والحرب في سوريا - تلك هي خمسة صراعات مدمرة بشكل كبير. وبطبيعة الحال، فإن الدمار المادي هائل.

عندما ذهبت لأول مرة إلى غزة بعد الحرب الأخيرة بدت وكأن زلزال قد ضربها لتوه، مثل نيبال، إلا أن ذلك كان من صنع الإنسان، ولم يكن طبيعيا. لقد كنت في غزة عندما كان هناك خرق لجدار الصوت، عندما تحلق الطائرات على ارتفاع منخفض، وذلك شيء مرعب وفظيع حقا، لا سيما إذا كنت رضيعا أو طفلا. لقد كانت هناك انفجارات، وكنت في غزة خلال تصاعد حدة العنف.

ولكن عموما أعتقد أن وجودك في منطقة النزاع يعني أن هناك دائما احتمالات بوقوع العنف. وفي السياق الفلسطيني، هناك دائما صراع منخفض الحدة والشدة. في لبنان، قد تكون تقود سيارتك في الشارع وفجأة تجد دبابة متوقفة وسط ميدان، أو تكون في الضفة الغربية وفجأة يحدث توغل وينتشر الغاز المسيل للدموع. ولكن، أعتقد،  أن ذلك هو جزء من العمل. أعتقد أن عليك أن تعتاد على غير المتوقع، وعليك أن تكون قادرا على الاستجابة لذلك، أعتقد، بطريقة عقلانية وإنسانية.

7-  الأمم المتحدة: عملك يأخذك من الأمان النسبي في القدس إلى المشقة والمعاناة في أماكن مثل غزة - كيف يمكنك التكيف مع الاختلافات في مثل هذه المواقع؟

كريس غانيس: لا بد لي من القول إن الاختلافات التي تتحدث عنها هي تذكير دائم بالنسبة لي بما يفتقر إليه الفلسطينيون. وبدلا من أن تجعلني معتادا على العنف والظلم، فإنها تقوي التجربة فعلا بالنسبة لي وتضاعف الحاجة إلى الرحمة وإضفاء الطابع الإنساني على القصة.

عندما أذهب إلى غزة وأشاهد التأثير الإنساني للصراع، فإن ذلك يجعلني أكثر تصميما على مغادرة القطاع لأروي قصص أهله، وأعلي أصواتهم، وأذكر العالم بأن هناك ظلم هائل، وأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ما لم يتم انتشال خمسة ملايين لاجئ من هذا الوضع من الحرمان والظلم.

image
8-  الأمم المتحدة: في العام الماضي تصدرت عناوين الصحف لأسباب مختلفة عن المعتاد - كيف حدث هذا؟

كريس غانيس: بدأ اليوم الذي انفجرت فيه في البكاء على شاشات التلفزيون في وقت مبكر جدا، عندما تعرضت مدرسة تابعة للأونروا في غزة للقصف، وقتل الناس بينما كانوا نائمين على أرضية أحد فصول الأمم المتحدة الدراسية، وتم استدعاؤنا جميعا إلى المكتب، لقد كان يوما مروعا للغاية. وقد أجرت قناة الجزيرة مقابلة معي باللغة العربية؛ وبعدها، قامت قناة الجزيرة الإنجليزية، والتي عادة ما أظهر عليها بمَنْتَجة المقابلة. في ذلك اليوم، عرضت الجزيرة العربية صورا مباشرة مروعة، وقد شاهدت كل هذه الصور على شاشة تحت الكاميرا، وبدأت أفكر "لا أستطيع تحمل ذلك - لقد رأيت للتو الكثير من المعاناة ". لكنني تمكنت من التحكم في مشاعري حتى انتهاء المقابلة وقلت وداعا. ولكن بدأت أشعر بفقدان السيطرة على شعوري وبما أن المقابلة كانت على الهواء لم أتمكن من إنهائها.

وعندما انتهت المقابلة، انفجرت في البكاء. ولكنني كثيرا ما أبكي. عادة، أجري مقابلة، ثم أضع الهاتف، وأبكي بهدوء مع نفسي، لأن ما نتعامل معه شديد المأساوية وغير عادل. وهؤلاء هم أناس أعرفهم وأعمل معهم، والتقيت بهم، ويتعرضون للهجوم في أماكن مألوفة جدا بالنسبة لي.

ولذا، وضعت رأسي بين يدي، وبكيت بدون أن أتمالك نفسي، واستمر مصور الجزيرة في التصوير، بدون أن يستأذنني، ولم تكن لدي أية فكرة، وكنت أعتقد أنها لحظة حزن خاصة، وتم إرسال اللقطات إلى الدوحة، وأذاعتها كل ساعة، على رأس الساعة طيلة اليوم التالي أو نحو ذلك، وانتشرت بسرعة.

تلقيت بعدها آلاف الرسائل الإلكترونية من مواطنين يقولون إنها كانت لحظة إنسانية جدا، وصادقة جدا. ونظرا لأنها جاءت من مسؤول في الأمم المتحدة، فقد أظهرت للعالم، على ما أعتقد أن السخط والغضب كانا حقيقيين. فلم يكن ذلك مجرد لغة خطابية، "تشعر الأمم المتحدة بالقلق الشديد"، أو أي شيء من هذا القبيل، وإنما كان تعبيرا عن أن الأمم المتحدة قد أصابها الحزن العميق بشكل واضح. وصلتني رسائل إلكترونية من موظفين في مكتب الأمين العام تقول، "إننا جميعا فخورون بك، ونحن سعداء لأنه قد تم تصويرنا كمنظمة إنسانية". لم يقل لي أحد إن ما قمت به يشكل نقصا في الحياد". على العكس من ذلك، قال الكثيرون "إننا فخورون لأن لدينا متحدث قادر على أن يظهر هذا المستوى من الإنسانية".

9- الأمم المتحدة: هناك وجهة نظر تقول إن المتحدث يجب أن يلتزم بمبدأ الحياد بشكل صارم – هل تعتقد أن ذلك ممكن عندما ترى عن قرب الكثير من المعاناة؟

كريس غانيس: أعتقد أنه من السهل جدا الخلط بين أن يكون الشخص محايدا، وأن يكون منفصلا عن الواقع. وأعتقد أن ذلك أمر ممكن جدا. في الواقع، أعتقد أن الأمم المتحدة يجب أن تكون منخرطة. أعتقد أن الإنسان يمكن أن تكون لديه عواطف، طالما أن عقله، في نهاية المطاف، هو الذي يتحكم في قلبه. ويمكنك أن تستخدم لغة تتسم بالحياد، ويمكنك القيام بأشياء محايدة، وأن تظهر إحساسا بالإنسانية، في الوقت الذي تكون فيه محايدا.

بالتأكيد، وصلتني رسالة إلكترونية من قائد كبير جدا في الأونروا يقول فيها ليس هناك ما هو أسوأ من شخص إنساني بارع.. لقد أيدني الناس، وقال لي زملاء من حفظة السلام، ومن اليونيسيف، ومراكز  الأمم المتحدة من مختلف أنحاء العالم "ما الذي يمكننا القيام به لمساعدتك"؟" لقد كان (ذلك) رد فعل مؤثر جدا صراحة.

10- الأمم المتحدة: من المألوف أن تتم مهاجمة المتحدثين لعملهم. وأنت قد حظيت بنصيب وافر من ذلك من المسؤولين الحكوميين، إلى مواطنين عاديين على وسائل التواصل الاجتماعي. كيف يؤثر ذلك عليك؟

كريس غانيس: أود القول إن ذلك لم يؤثر علي. ولكن ذلك غير حقيقي. لقد تأثرت بشدة. ولكن ما لم يتأثر، كما آمل، هو حكمي على الأمور.

أعتقد أنني واصلت القيام بعملي، بغض النظر عن الهجمات التي تعرضت لها، واصلت العمل بثبات، كما أتمنى، في بعثة الأمم المتحدة، عاكسا قيم الأمم المتحدة، ومتمكنا من إبداء ما يعنيه عمل الأونروا. ولكني أعود إلى البيت، وأصرخ، وأنفعل على شريكي، أعود إلى البيت، وأشعر أنني متأثر بشدة من ذلك. ولكن من ذا الذي لا يتأثر في مثل هذا النوع من المواقف؟

لا أعتقد أن أحدا يتوقع من العاملين في المجال الإنساني ألا يتأثروا. بل أعتقد العكس، أعتقد أن الناس قد يظنون أنك غريب الأطوار إذا مررت بهذه التجارب وتصرفت كما لو كنت ذاهبا إلى عملك كل يوم كمحاسب مثلا.

أعتقد أنه من المسموح لنا أن يكون لدينا عواطف وانفعالات، والمهم، هو الحياد في نهاية المطاف، وأعتقد أنك يمكن أن تكون لك حياة تغمرها العواطف بينما تتعامل مع مثل هذه المواقف الظالمة، في الوقت الذي تظل فيه على حيادك التام.

image
12- الأمم المتحدة: أين ترى نفسك بعد مهمتك مع الأونروا؟

كريس غانيس: للأسف، أنا أتجاهل قاعدة الأمم المتحدة التي تقضي بضرورة أن ينتقل الموظفون كل أربع سنوات. ولكن بصراحة، لا يمكنني التفكير في وظيفة أخرى أريد القيام بها أكثر. فعندي زملاء غير عاديين، الأشخاص الذين أعمل معهم بشكل وثيق هم إنسانيون بشكل ملهم، ونتشارك كلنا في الإحساس بالانخراط في العمل، وبصراحة، وبعد العمل الذي قمت به، فلست متأكدا من أن الكثيرين يرغبون في توظيفي. علاوة على ذلك، عندما تعمل مع لاجئين فقدوا كل شيء، يكون من الصعب جدا أن تقول لهم وداعا وتمضي.

13- الأمم المتحدة: أخيرا، كيف ترى النتيجة النهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

كريس غانيس: أعتقد في نهاية المطاف أنه سيكون هناك حل سياسي. فلا يمكن أن يحرم الناس من حقوقهم لمثل هذه الفترة الطويلة. ولا يوجد مثال في التاريخ لأناس يعيشون في مكان ما لعقد يليه عقد يليه عقد من الزمن في هذه الحالة، متناثرين، منفيين، ومحرومين. وإني أؤمن إيمانا قويا – ربما أكون قد مت – ولكني أؤمن بشدة بأنه العدل سيتحقق في يوم ما للفلسطينيين.

مصدر الصورة