منظور عالمي قصص إنسانية

اليونيفيل في الجنوب اللبناني.. تضمد الجراح وتداوي الأرواح

اليونيفيل في الجنوب اللبناني.. تضمد الجراح وتداوي الأرواح

تنزيل

مستمعينا الأعزاء أهلا ومرحبا بكم إلى هذا البرنامج الخاص الذي نتناول فيه الخدمات الطبية التي تقدمها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان يونيفيل، إلى أبناء الجنوب.

في القسم الأول من البرنامج،  سنتحدث عما يقوم به جنود حفظ السلام الصينيون في هذا الصدد.

أما في القسم الثاني، فسنلقي الضوء على التهريج العلاجي الذي يقدمه المهرج فالتير ماتزوكي من القوة الجوية الإيطالية في اليونيفيل الذي يساهم في العلاج الطبي العام للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

التفاصيل بعد قليل.

"كنت أعمل، كنت أنقي الصنوبر، فوقعت خشبة على يدي وقصتها. أتيت إلى هنا. وتابعني الطبيب. كان طبيبا جيدا جدا. واهتم بي كثيرا."

السيد موسى عاصي هو أحد الجنوبيين الكثر الذين استفادوا من الخدمات الطبية التي تقدمها اليونيفيل حيث تبدأ هذه الخدمات بمعالجة الجروح والحروق الصغيرة القيام بحملات للفحص الطبي في مراكز البلديات والمدارس ولا تنتهي بإجراء العمليات الجراحية.

غالباً ما  يتوجه الجنوبيون إلى المستشفى الصيني الواقع داخل مقر قيادة القطاع الشرقي قرب مرجعيون لطلب العلاج، مع العلم أن المهمة الأساسية للمستشفى هي تقديم الرعاية الطبية لجنود القبعات الزرق، بحسب الرائد تان بينغ، جراح العظام ونائب الضابط المسؤول عن المستشفى.

"خلال فترة خدمتي التي إنقضى منها تسعة أشهر حتى الآن،  قدمنا الرعاية الطبية وأجرينا فحوصات لمئات السكان المحليين. عندما يأتي الناس إلينا، لا يمكننا  أن نعتذر عن إستقبالهم ونقول لهم ببساطة  "إن خدماتنا لعناصر اليونيفيل فقط". لدينا  ستين طبيبا وممرضا من الصين على أهبة الاستعداد لمساعدة من يحتاج المساعدة. وما نقوم به هو مجرد جزء من جهود اليونيفيل التي تهدف إلى خلق واقع من السلام والاستقرار في جنوب لبنان."

ويقوم الطبيب الملازم توو أي بفحص جرح في يد السيد موسى عاصي بعد عدة أسابيعَ من العلاج.  جروح موسى أقتربت من التعافي التام، والنتيجة مُرضية بالنسبة لأبن بلدة إبل السقي.

"أشكرهم على كل سعيهم وجهودهم التي بذلوها وبالأخص الطبيب الذي يعاينني الآن. بالفعل الكتيبة الصينية جيدة جدا، عناصرُها لطفاء ويتمتعون بخلق جيد. هذا هو الواقع، أنا لا أتكلم من لساني ولكن من قلبي وهذا شعور لمسته منذ زمن، فمنذ خمس سنوات آتي إلى هنا كلما أواجه مشكلة وهم يتابعونني على أكمل وجه."

image
شاء القدر أن تؤدي هذه الحالة الطارئة الى صداقة بين المريض اللبناني والطبيب الصيني في اليونيفيل الملازم توو أي:

"في البداية لم أكن أعرفه، لكنه أصبح الأن  صديقاً عزيزاً. صدمت بحالة جرحه عندما أتى لأول مرة، كانت يده مصابة بإلتهاب بالغ، وأصابعه منتفخة من الورم. و كان معرضاً بشكل كبير لخطر فقدان  أحد أصابعه.  حزن موسى كثيراً عندما علم بهذا الاحتمال، ولكنني فعلت كل ما في وسعي لتجنب الأسوأ. أنطر الى يده الأن، إنها تحتاج فقط لبضعة أيام لتتعافى بشكل تام. كان لي شرف معالجة موسى."

مثلهم كمثل غيرهم من جنود حفظ السلام في اليونيفيل، يسافر الأطباء الصينيون آلاف الأميال بعيداً عن عائلاتهم لخدمة السلام في لبنان.  فهل يدفعون ثمن لذلك؟  بالتأكيد. النقيب الطبيب المتخصص في أمراض القلب، "تن زي سن"  يؤكد أن ذلك يأتي على حساب راحتهم الشخصية والنفسية، ويروي لنا كيف يتعامل مع واقع بعده عن عائلته.

"عندي توأم، صبي وبنت في الرابعة من عمرهما. أعاني كثيراً من فراقي لهم  وبالأخص في هذه المرحلة من عمرهم. أفكر فيهم عندما ألتقي بأطفال لبنانيين خلال حملات الفحص الطبي المجانية التي نقوم بها في المدارس المحلية. في تلك اللحظات أشعر أنني مع عائلتي وبين أطفالي."

المدرسة الأرثوذكسية في مرجعيون التي يديرها الاستاذ زياد عبلى، هي إحدى المدارس التي تحدث عنها النقيب تن زي سن.

"نحن نتمتع بعلاقات جيدة مع اليونيفيل بشكل عام وبالأخص مع الكتيبة الصينية، التي قامت مشكورة بحملة صحية وفحص شامل لطلاب المدرسة، شملت فحص العين، الأذن، الأسنان، الصحة بشكل عام. وكقوات حفظ سلام في جنوب لبنان، إضافة إلى المهمات الصعبة الملقاة على عاتقهم، يقومون أيضا بدور اجتماعي في المنطقة التي يتواجدون فيها من بين هذه الأمور النشاطلت الصحية، ومنطقتنا تحتاجها كثيرا، لأننا كمنطقة ريفية لا تتوفر لدينا جميع الخدمات الصحية مئة بالمئة."

إن المستشفى الصيني في منطقة مرجعيون، ومستشفى اليونيفيل الرئيسي في مقرها العام في الناقورة، هما أكبر المنشآت الصحية في البعثة ومهمتهما الأساسية هي تقديم الرعاية الصحية لجنود حفظ السلام. ومع ذلك، ان هذين المستشفيين بالاضافة الى الفرق الطبية التابعة لوحدات اليونيفيل - مثل الهنود والماليزيين والايطاليين والفرنسيين والغانيين - يقومون بتوفير رعاية صحية للسكان المحليين كلما أمكن.

image
بفرح وبهجة إستقبل طلاب ومعلمو مدرسة عيتا الشعب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة المهرج فالتر الذي جلب لهم جو من المرح والسعادة بأنفه الأحمر الكبير وزيه الملون، إضافة إلى حيله الذكية وحركاته البهلوانية. ففالتر ماتزوكي ليس مهرج سيرك عادي، بل هو مؤهل في القوة الجوية الإيطالية في اليونيفيل، وإضحاك الناس هي هوايته التي يفتخر بها.  كما أن التهريج العلاجي الذي يقدمه  يساهم في العلاج الطبي العام للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. تفاصيل زيارته إلى مدرسة عيتا الشعب ستأتيكم بعد لحظات.

إنَ العلاج بالتهريج هو ليس بالأمر النادر كما يظن البعض ولديه تأثير إيجابي جداً على الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة. وتؤدي قوة الفكاهة والضحك العلاجية إلى محاربة التوتر كما أنها تخفف من الألم عبر إطلاق مادة الأندورفين التي تسكن آلام الجسم بطريقة طبيعية. وهذا هو بالضبط ما دفع مكتب الشؤون المدنية في اليونيفيل لتنظيم عرض للمهرج فالتر في مدرسة عيتا الشعب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. رولا بزيع التي تحدثت لإذاعة اليونيفيل تشرح التفاصيل:

"نحن في الشؤون المدنية بالتنسيق مع وحدة التاون المدني العسكري بالناقورة، علمنا أن هناك فردا من وحدة الهليكوبتر الإيطالية باليونيفيل قد تدرب في بلده على القيام بهذا النشاط الذي هو التهريج العلاجي. وكان قد عمل به لفترة طويلة، ورغب أن يضيف هذا الأمر ويعمل به مع الأولاد هنا في جنوب لبنان."

بالنسبة لفالتر ماتزوكي، المؤهل في القوة الجوية الإيطالية في اليونيفيل، فإن العلاج بواسطة التهريج هو أكثر بكثير من مجرد ترفيه. هو كما يقول مساهمة شخصية منه لتحسين وضع الأطفال الجنوبيين ذوي الإحتياجات الخاصة، كما أنه أسلوبه الخاص في التعرف إليهم والتقرب منهم وفي التعبير عن شكره لمجتمع فتح له أبوابه:

"معظم الناس يظنون أن العلاج بواسطة التهريج هو نوع من المزاح أو اللعب، هذا الأمر ليس صحيحاً، ونحن لسنا مهرجي سيرك. من المهم أن نفهم أنه وسيلة إستعراضية للوصول إلى الجمهور، وفي هذه الحالة هم هؤلاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. في بعض الأحيان يكونون أكثر استعداداً لتلقي هذا النوع من الحب لأنهم بحاجة أكثر للحب. وهناك أيضا نقطة هامة جداً ينبغي علينا أن نفهمها وهي أنه يتوجب علينا أن نبحث عن أسباب المشكلة وليس عن آثارها."

خلال تقديمه للعرض أظهر فالتر الكثير من الحب لأطفال مدرسة عيتا الشعب وقد فرحوا كثيراً بما قدمه لهم، لدرجة دفعت بالمنسقة التربوية في المدرسة، حنان مزنر، لطلب تنظيم نشاط مماثل في المستقبل لأنه برأيها يوفر دعما عاطفيا للأطفال هم بحاجة إليه:

"هذه التجربة فريدة من نوعها خاصة أن أحد الجنود باليونيفيل قام بهذا النشاط وهو العلاج من خلال الضحك. ونحن نعمل على تقديم الدعم النفسي للأولاد بشكل إيجابي ليتمكنوا من التواصل مع المجتمع، وهذا النشاط جميل جدا. ولا أدري إذا لاحظتم الصوت، التفاعل، التصفيق، ...، كان الأولاد سعداء جدا وكانو أيضا يحاولون تقليده."

أكثر من مئة تلميذ من مدرسة عيتا للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حضروا العرض الذي قدمه فالتر. والجميع كانوا مهتمين لجرعة العلاج التي تلقوها والتي كانت ساعة ونصف الساعة من الضحك المتواصل.

image
إن أفضل مكافأة يمكن أن يحظى بها أي فنان هي تقدير جمهوره له، وعندما حاول بعض الأطفال تقليد فالتر وخدعه السحرية، كان ذلك دليلا واضحا على نجاح العرض الذي قدمه لهم. وقد كان من الصعب على الأولاد أن يفارقوا المهرج فالتر عند نهاية العرض ولذلك ودعوه بطريقتهم الخاصة.

كأي جندي حفظ سلام في اليونيفيل، فإن المؤهل فالتر ماتزوكي في القوة الجوية الإيطالية جاء إلى لبنان لفترة محدودة. ولإكمال ما بدأه فالتر مع أطفال الجنوب في مجال العلاج التهريجي وللإستفادة أكثر من خبرته، نظمت اليونيفيل دورة لبناء القدرات في هذا المجال للمنظمات المحلية العاملة مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والمسنين والشباب الذين هم عرضة للخطر. وقد تضمن المشروع إضافة إلى التدريب وتمويل لشراء أزياء المهرج والأدوات التي يستخدمها.

وبهذا نصل إلى ختام برنامجنا الخاص حول خدمات اليونيفيل الطبية مع تحيات فريق القسم العربي بإذاعة الأمم المتحدة. ولمزيد من الأخبار والتقارير والحوارات يمكنكم دائما زيارة موقعنا على الإنترنت

www.un.org/arabic/radio

وفي الختام اسمحوا لي أيضا مستمعينا الأعزاء أن أشكر فريق إذاعة اليونيفيل في جنوب لبنان، بمن فيهم الزميل غفار شرفالدين والزميلة رانيا بدير اللذان عودانا على تقديم مواد وشهادات صوتية رائعة من الجنوب اللبناني. الشكر أيضا لعزت الفري من قسم الإنتاج، وكارلوس ماسايس من قسم الهندسة الإذاعية. وعلى أمل اللقاء في برامج مقبلة لكم مني، مي يعقوب، أطيب التحيات

مصدر الصورة