منظور عالمي قصص إنسانية

أمومة في عمر الطفولة

أمومة في عمر الطفولة

تنزيل

برنامج خاص يسلط الأضواء على ظاهرة حمل المراهقات وتداعياتها

مستمعينا أهلا بكم....نتحدث في هذا البرنامج الخاص عن مشكلة تؤثر على ملايين الفتيات في كل أنحاء العالم وتخلف عواقبها السلبية طويلة الأمد على الأسر والمجتمعات والدول ككل.

خلال ربع ساعة تقريبا من الزمن سنسلط الضوء على مشكلة الأمومة في عمر الطفولة.

كل يوم تنجب عشرون ألف فتاة تحت سن الثامنة عشرة، أي سبعة ملايين وثلاثمائة ألف فتاة سنويا، من بين هؤلاء مليونا فتاة لا تتعدى أعمارهن الرابعة عشرة.

نصيب الدول النامية من تلك الأرقام، كما يقول تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، يقدر بخمسة وتسعين في المائة.

"عندما كنا في سوريا كانت لدينا عادة تزويج البنات وهن صغيرات."

منال، لاجئة سورية تبلغ من العمر ستة عشر عاما وصلت إلى مخيم الزعتري بالأردن مع والدتها ماجدة، وشقيقتها وشقيقها ثم لحق بهم والدها وأخوه بعد أشهر.

أصر الأب على اتباع نفس تقاليد بلدته في درعا، فخطبت منال.

"عندما كنا في الدار في سوريا لم يكن لي كلمة مسموعة، ولكن عندما جئت إلى هنا قلت إن القراءة أمر ضروري، فنحن في وضع حرب يحتاج المرء إلى اللغة والمعلومات والمعرفة. قررت أن أكمل تعليمي هنا، ولكن أبي عارض ذلك وقال لي إن الزواج أفضل وإن فرصتي في الزواج ستتضاءل سنة بعد أخرى. في نفس الوقت أشعر بأنه لم يعد يستطيع الإنفاق عليّ"

يقول تقرير الأمم المتحدة الصادر تحت عنوان (أمومة في عمر الطفولة، مواجهة تحدي حمل المراهقات) إن تسعين في المائة من إنجاب المراهقات في أنحاء العالم يحدث نتيجة علاقة زوجية.

ويحدث كل يوم تزويج تسعة وثلاثين ألف فتاة في انتهاك صارخ لحقوقهن، نسبة واحد في المائة من أولئك الفتيات يتزوجن قبل بلوغ الخامسة عشرة.

وكما يقول التقرير فإن الحمل بالنسبة للفتيات الصغيرات يكون في كثير من الأحيان بمثابة عقوبة بالإعدام، أما اللاتي لا يفقدن حياتهن بسبب مضاعفات الحمل والولادة فتكتب عليهن عواقب صحية واقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل سلبي على مستقبلهن طيلة حياتهن.

هذا بالإضافة إلى المشاكل الصحية التي يعاني منها الوليد أيضا كما تقول كيت غيلمور نائبة المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان:

"إن معدلات وفيات المواليد تزداد بنسبة خمسين في المائة لدى الأمهات المراهقات مقارنة بالشابات في العشرينات من عمرهن. كل عام يتوفى مليون طفل يولدون لأمهات مراهقات قبل بلوغ عامهم الأول."

عانت ماجدة والدة منال من عواقب الزواج المبكر، ومن مخيم الزعتري تتحدث عن تجربتها:

"أنا جربت، فقد تزوجت صغيرة عندما كان عمري خمسة عشر عاما. حملت كثيرا ولكن الأطفال كانوا يموتون عندما كان يحدث لي إجهاض في الشعر السابع أو الثامن من الحمل، وأصبت بأمراض كثيرة وتعاطيت الأدوية بعد ذلك كي يثبت الحمل وكل ذلك أجهدني وأتعبني، ثم رزقت بابنتين وصبي. وإذا تزوجت منال وهي صغيرة فسيحدث معها نفس الأمر."

الجملة التي بدأ بها تقرير الأمم المتحدة عن حالة السكان تقول إن هناك تغييرا جذريا يطرأ على حياة أية فتاة عندما تصبح حاملا، ونادرا ما يكون هذا التغيير إلى الأفضل.

هذا الحمل قد يعني للفتاة نهاية تعليمها، كما قد تتبدد فرصتها في العمل ليزداد ضعفها وتصبح أكثر عرضة للفقر والاستبعاد والتبعية.

ألانا أرميتاج مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة في جنيف تقول إن الحمل المبكر ينتهك حقوق الفتاة ويؤثر على مستقبلها بأسره:

"إن الحمل المبكر يؤثر على صحة الفتيات وتعليمهن وحقوقهن. إن الفتاة بدون التعليم ستواجه صعوبات في العثور على وظيفة وبناء مستقبل لها ولأسرتها. إن الفتاة التي تصبح حاملا في سن الرابعة عشرة أو ما قبل ذلك، هي فتاة تم تقويض حقوقها. هناك خمسمائة وثمانون مليون فتاة مراهقة في العالم، ويظهر تقرير حالة السكان لهذا العام كيف أننا من خلال تمكين الفتيات وحماية حقوقهن والاستثمار من أجلهن يمكننا أن نساعدهن في تحقيق كامل إمكانياتهن."

يختلف التقرير عما سبقه من دراسات وأبحاث في أنه يتناول قضية حمل المراهقات من منظور جديد، لا يقتصر على سلوكيات الفتيات.

فقد تعاملت الكثير من الدول مع قضية حمل المراهقات من خلال اتخاذ إجراءات تهدف إلى تغيير سلوك الفتاة، انطلاقا من الاعتقاد بأن الفتاة هي المسئولة عن منع الحمل وبأنها إذا أصبحت حاملا فإن الخطأ يعود إليها.

ولكن كيت غيلمور نائبة المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان تؤكد أن الفتاة ليست المشكلة:

"كيف لنا أن نفهم مأساة بهذا الحجم، ما الذي يسببها وما الذي يمكن أن يحدث للقضاء عليها؟ فلنبدأ من حيث يجب أن ننتهي، من أن الفتاة نفسها ليست المشكلة. إن الأدلة واضحة وتظهر أن حمل المراهقة لا ينجم في كثير من الأحيان عن اختياراتها وإنما عن حرمانها من الاختيار."

الاعتقاد بأن الفتاة هي المسئولة يؤدي إلى اتباع نهج في حل المشكلة يهدف إلى تغيير سلوكها، ولكن هذا النهج يعد مضللا لأنه يتجاهل الظروف والضغوط المجتمعية التي تتآمر ضد المراهقات، حسب وصف التقرير.

زياد الرفاعي المسئول بمكتب المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان أشار، خلال حوار مع إذاعة الأمم المتحدة، إلى أن الكثيرات من الأمهات المراهقات يرغمن على الزواج ونادرا ما يعتد بآرائهن في مسألة الإنجاب.

"يركز التقرير على هذه الناحية، على ضرورة عدم لوم الفتاة لأنها هي الضحية، وبالتالي عندما نطالب بتغيير هذه العادة وهذه الممارسة يجب ألا يكون النداء موجها للفتاة لأنها في معظم الأحيان لا يكون لها رأي أو قرار في هذه العملية بل تكون مجبرة على الزواج."

الأسباب الكامنة وراء حمل المراهقات كثيرة منها زواج الأطفال، والفقر، والعنف القائم على نوع الجنس، والسياسات الوطنية التي تقيد فرص الحصول على وسائل منع الحمل والتثقيف الجنسي الملائم لكل الأعمار.

" من هذه الأسباب في كثير من الأحيان عدم وجود قوانين تمنع حدوث الظاهرة، في أحيان أخرى قد يوجد القانون على الورق ولكن لا يطبق فعليا. وقد تكون هناك عادات وتقاليد تسمح بحدوث تلك الظاهرة التي يتسبب فيها أيضا جزئيا تسرب الفتيات من المدارس، وعدم توفر المعلومات حول الظاهرة ونتائجها على الصحة والتعليم والاقتصاد، وكذلك عدم إعطاء الفتاة حقوقها من حيث تمكينها وتعليمها واستمرارها في المدرسة."

ثابت اللاجئ السوري والد منال ذات الستة عشر عاما، يقول إنه وافق على تزويجها في مخيم الزعتري لشاب في الثانية والعشرين من العمر.

ويضيف أن الكثيرين من الآباء يميلون إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة ليطمأنوا عليهن وعلى مستقبلهن أو بسبب ظروف المعيشة الصعبة والأعباء المادية.

"يريد بعض الناس تزويج بناتهم بسبب تكاليف المعيشة وخاصة عندما تكون الأسرة كبيرة مكونة من ستة أو سبعة أفراد، وأيضا بالنسبة لي فإن الزواج سيضمن مستقبل ابنتي إذا حدث لي أي مكروه."

يحدد تقرير الأمم المتحدة الذي يحمل عنوان (الأمومة في عمر الطفولة) عددا من الأسس اللازمة لإحراز تقدم في مجال مواجهة حمل المراهقات، منها الحد من الفقر وتمكين الفتيات ومعالجة انعدام المساواة بين الجنسين واحترام حقوق الإنسان للجميع.

وفي هذا الإطار يتحدث زين الرفاعي المسئول بصندوق الأمم المتحدة للسكان عن توصيات التقرير، مشددا على أهمية تعليم الفتيات:

"هناك عدد من الخطوات التي ندعو جميع الدول والمجتمع الدولي والمجتمعات المحلية وجمعيات حقوق الإنسان للعمل على اتخاذها للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها، منها التركيز على بقاء الفتيات في المدارس لأن في ذلك تمكين للفتاة والمرأة من ناحية، ومن ناحية أخرى يبقيها في المدرسة ولا يحرمها من فرصة التعليم ويمنع انتقالها إلى الأمومة في سن مبكرة."

الفتاة التي تواصل الدراسة لفترة أطول تكون نسبة الحمل المبكر لديها في فترة المراهقة أقل، لأن التعليم يهيئ لها الحصول على الوظيفة وكسب الرزق ويعزز من تقديرها لذاتها ووضعها في أسرتها ومجتمعها، ويتيح لها فرصة أكبر للإدلاء برأيها في القرارات التي تؤثر على حياتها.

التحقت منال بمدرسة مدعومة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة في مخيم الزعتري، كما تشارك في أنشطة مركز الشباب الذي تديره اليونيسيف ومنظمة مجتمع مدني دولية حيث يتعلم الشباب المهارات ويتلقون الدعم النفسي اللازم لمداواة ما مروا به في سوريا.

تحدثت منال مع العاملين في المركز عن خطبتها، ومن خلال الجلسات الاستشارية عرفت أن الزواج ليس خيارها الوحيد.

"أنا فخورة بأن لدي بنتا مثل منال."

بمساعدة والدتها تجرأت منال وأعلنت لوالدها أنها لا تريد الزواج بل تود استكمال تعليمها.

"قلت إن الوضع هنا يختلف عن سوريا التي كنا ندفع فيها نفقات لتعلم القراءة، ولكن هنا الوضع مختلف، إنها فرصة أتيحت لنا."

تتمنى منال أن تصبح طبيبة أو معلمة، ولكنها تدرك أن زواجها المبكر يعني التخلي عن حلم استكمال تعليمها وطموحها في مستقبل ناجح.

في النهاية وافق والد منال على عدم تزويجها، بما يؤكد أهمية ما ذكره زياد الرفاعي المسئول بصندوق الأمم المتحدة للسكان بشأن توعية الرجال والصبية بخطورة الزواج والحمل المبكرين بالنسبة للفتيات.

"من الواضح أن عملية الزواج والحمل والولادة لا تتم بدون وجود شريك وهو الرجل أو الولد في بعض الأحيان وإنْ كان الزوج غالبا رجلا بالغا. فيجب أيضا تثقيف الرجال بأن هذه الظاهرة غير مقبولة وغير صحية وتضر بحقوق الإنسان وصحة المرأة وتعليمها وكيان العائلة كلها وتؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة للأم في سن مبكرة."

وبعد أن رأت أخريات يتزوجن ويصبحن أمهات في سن المراهقة، ترسخ لدى منال الإيمان بضرورة استكمال دراستها لتتمكن من اتخاذ قرارات سليمة وحكيمة بشأن مستقبلها.

"أحيانا ينشأ الآباء كما نشأ أجدادهم، ولكننا لا يتحتم علينا استكمال هذه السلسلة. فإذا كان جدي يحرث الأرض يدويا مثلا فهل سأفعل مثله الآن، أم سأستخدم الأجهزة الحديثة في الحراثة؟ إذا كان جدي قد توفي وهو في الأربعين من العمر، فهل نموت نحن أيضا في نفس السن؟ لا، يجب أن نستكمل المشوار ونفكر في الأمام في المستقبل ولا نعود إلى الوراء. أي أحد يحب شيئا يجب أن يصر عليه وخاصة في التعليم، لأن العلم أحسن من أي شيء."

وبهذه الكلمات الحكيمة من الصغيرة منال نختتم برنامجنا الخاص.