منظور عالمي قصص إنسانية

حوار- قلق أممي إزاء عدم إمكانية الوصول إلى النساء المتأثرات بالعنف في غزة والسودان

منى الزريعي، الاخصائية الاجتماعية والمرشدة النفسية لدى وكالة الأونروا (إلى اليسار) تتحدث إلى إحدى الأمهات في مركز للإيواء في دير البلح وسط قطاع غزة.
UN News
منى الزريعي، الاخصائية الاجتماعية والمرشدة النفسية لدى وكالة الأونروا (إلى اليسار) تتحدث إلى إحدى الأمهات في مركز للإيواء في دير البلح وسط قطاع غزة.

حوار- قلق أممي إزاء عدم إمكانية الوصول إلى النساء المتأثرات بالعنف في غزة والسودان

المرأة

أعربت السيدة ليلى بكر المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية عن القلق إزاء عدم إمكانية الوصول إلى النساء والفتيات المتأثرات من العنف في الحربين في غزة والسودان. ونبهت إلى عدم قدرة الصندوق على الوصول إلى شركائه الذين كان يتعامل معهم من قبل مما تسبب في انقطاع الخدمات الحيوية عن النساء والفتيات في غزة والسودان.

أما في سوريا، وعلى الرغم من أن الصندوق لا يزال موجودا على الأرض إلا أن طول أمد الأزمة أرهق البنية التحتية والنظام الصحي مما تسبب في زيادة الاحتياجات الإنسانية وقلل من إمكانية الوصول لجميع المحتاجين. 

من دبي، تحدثت المسؤولة الأممية مع أخبار الأمم المتحدة، على هامش مشاركتها في معرض ومؤتمر دبي الدولي للتنمية والإغاثة المعروف اختصارا باسم "ديهاد". 

وأشارت إلى أن مشاركتها جاءت بهدف تسليط الضوء على قضايا النساء والفتيات في المناطق المتأثرة بالأزمات. في بداية الحوار حدثتنا السيدة ليلى بكر عن مؤتمر ومعرض ديهاد فقالت:

ليلى بكر: نحن موجودون هنا في دبي بمناسبة الذكرى العشرين لمعرض ومؤتمر ديهاد. كما العادة، نحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان معنيون بالقضايا السكانية وبالتحديد التعامل مع القضايا النسوية والفتيات الموجودات في المناطق المتأثرة بالأزمات في المنطقة وتحديدا في فلسطين، سوريا، اليمن، الصومال والسودان.

نحن قلقون جدا على إمكانية التواصل مع هذه الفئات السكانية على مستوى الخدمات الصحية، وبالتالي نحاول إبراز هذه القضايا بهدف إيجاد الحلول لها وإيصال الخدمات وإنهاء الأزمات - ليس فقط بالشكل السليم وإنما بشكل كامل، وهذا يشكل صعوبة لأن الأزمات المتكررة هي التي تؤدي إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية وإطالة أمدها.

 

أم تعد الطعام لأبنائها في مخيم بخان يونس، جنوب قطاع غزة.
© UNICEF/Abed Zagout

 

أخبار الأمم المتحدة: تسببت الحرب في غزة في وفاة أكثر من عشرة آلاف امرأة والكثير من النساء الحوامل يعانين حاليا في ظل نقص الخدمات والدمار الكبير الذي لحق بالمستشفيات. حدثينا عن أهم الجهود التي يقوم بها صندوق الأمم المتحدة للسكان لمساعدة النساء في غزة؟ 

ليلى بكر: إمكانية المساعدة ضئيلة في ظل الحصار والقصف الشديد والقتل المستمر الذي يواجهه القطاع وأهله منذ سبعة أشهر تقريبا. كما ذكرت توفيت أكثر من 10 آلاف امرأة بسبب الحرب، من ضمنهن نساء حوامل. دعني أضعك في الصورة بشكل أوضح: قبل الحرب، كنا نعمل بالشراكة مع 36 مستشفى داخل القطاع، ونتعامل مع الولادة الآمنة وقضايا النساء المتعلقة بالصحة الإنجابية. أما الآن فهناك عشرة مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي. 

عليك أن تتصور القتل الكبير الذي تسبب في محو أكثر من ثلاثين ألف نسمة من على وجه الأرض، وهناك أعداد كبيرة من الجرحى تأتي إلى المستشفيات. فالمرأة الحامل التي تأتي إلى المستشفى - حتى ولو كانت لديها قابلية وإمكانية الوصول – فلم يتبق لرعايتها طبيب ولا ممرضة بالشكل الذي بنينا لأجله هذا النظام مع القطاع الأهلي في غزة خلال الـ 17 سنة الماضية. نحن حريصون على أوضاع النساء الحوامل والمرضعات، وأيضا جميع الفتيات.

عندما يكون هناك مرحاض وحمام واحد لألف فتاة. فما هي إمكانيات الخصوصية لهذه الفتاة؟ وكيف يمكنها أن تتعامل مع هذا الوضع؟ يمكن أن يؤدي هذا إلى أمراض نفسية وجسدية - وعلى المدى الطويل – نخشى على قضايا الإنجاب بالنسبة لهؤلاء الفتيات. الوضع في غزة كارثي. لا زلنا نحاول أن ندخل المساعدات الإنسانية إلى المستشفيات التي لا تزال تعمل وإيصال بعض المستلزمات الصحية إلى الملاجئ والمواقع التي يقيم فيها الناس.

أخبار الأمم المتحدة: تشير تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن خمسين ألف امرأة حامل عالقة حاليا في النزاع في غزة. هل لدى الصندوق خطة عاجلة لمساعدتهن؟

ليلى بكر: كان بودي أن أجاوبك بنعم، ولكن الوضع الأمني داخل القطاع لا يسمح بدخول المساعدات الإنسانية العالقة في الأردن وفي مصر. إسرائيل – وهي الجهة القائمة بالاحتلال - مسؤولة عن إدخال كل المساعدات وحماية الناس تحت سلطة الاحتلال.

إمكانيات الوصول إلى القطاع تنحصر فقط في طريق العريش وطريق ممر الأردن في ظل عدم تجاوب المحتل أو التزامه بقضايا القانون الدولي الإنساني بحماية السكان داخل غزة والقصف المكثف والقتل المستهدف. لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان موارد ومستلزمات طبية لإدخالها إلى غزة، ولكن من يستقبل هذه المساعدات كي يوزعها بأمان، مع وجود وقود وشاحنات ومخازن؟

 للأسف التدمير المكثف في غزة لم يترك أي إمكانية لإدخال المساعدات الإنسانية. تتزايد الاحتياجات يوميا نتيجة النزوح القسري والقصف وفي الوقت نفسه تقل إمكانية الوصول إلى المساعدات ولا يمكن تلبية الاحتياجات بالشكل المطلوب. هناك ثلاثة أمور لابد من حدوثها.

  • أولا، لا بد أن تكون هناك هدنة دائمة وكاملة وليست هدنة إنسانية،
  • ثانيا، لابد من إدخال جميع الموارد والمساعدات الإنسانية، دون استثناء، وبدون أي قيود، للمحتاجين،
  • وثالثا، عدم السماح وعدم إجبار الناس على الهجرة القسرية خارج غزة.
لاجئون سودانيون في مركز عبور في رينك، جنوب السودان. أجبرت الحرب ملايين السودانيين على النزوح داخل وخارج السودان.
© IOM/Elijah Elaigwu

 

أخبار الأمم المتحدة: في السودان، تواجه أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة سوء التغذية بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عام. حدثينا عن الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لمساعدتهن؟ 

ليلى بكر: هذا السؤال يوجع قلبي. السودان من بلدان العالم العربي التي لديها إمكانية أن تكون مكتفية ذاتيا وقائمة على أصول جيدة وتنمية مستمرة ومستدامة. الحرب الأخيرة مستمرة منذ سنة، ولكن المشكلة ليست منذ السنة الماضية وإنما بسبب التراكمات منذ آخر عشرين سنة، وعدم إمكانية التوصل للحلول الجذرية – وليس فقط الحلول السطحية – تسبب في مشكلة الأمن الغذائي. 

وبالتالي تفاقمت مشكلة الأمن الغذائي مع بدء هذه الحرب. النساء هن المسؤولات عن عائلاتهن ويعطين الأولوية لأفراد العائلة. وعندما تكون كمية الغذاء ضئيلة يعطين الأولوية للأطفال والرجال. كما أعاقت العزلة المفروضة على بعض المناطق في السودان- نتيجة عدم الاستقرار وعدم الأمان- وصول المساعدات الإنسانية. نحن قلقون جدا من عدم فتح الحدود وعدم قدرة الأمم المتحدة على إيصال الغذاء لهؤلاء النساء – ليس فقط الحوامل منهن - وإنما للسكان بشكل أوسع، لأن المجاعة تهدد كل الناس. صحيح أن تخصصنا يتعلق بالنساء الحوامل، ولكن الهدف أن نفتح الحدود وألا تكون هناك قيود على إمكانية الوصول إلى الغذاء والمساعدات الإنسانية. وبدون ذلك سيكون من الصعب للغاية التعامل مع هذا العدد كي ننقذهم.

أخبار الأمم المتحدة: العنف الجنسي ضد النساء ظل أيضا من السمات البارزة خلال الحرب المستمرة في السودان. ما رسالتك للأطراف؟

ليلى بكر: نحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان ندين أي حالة للعنف الجنسي أو العنف المبني على النوع الاجتماعي. نعمل مع الشركاء الوطنيين الموجودين على الأرض وقد عزلتهم الحرب وبات من الصعب التحدث إليهم أو التواصل معهم، وليست لدينا إمكانية الاستمرارية في تقديم الخدمات اللي بنيناها مع شركائنا داخل السودان عبر العشرين سنة الماضية.

تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية والتهجير القسري للسكان من مناطقهم وخاصة الخرطوم. نسمع أن هناك حالات العنف الجنسي على الأرض، ولكن بدون وجود الجهات التي تحقق على الأرض في السودان بهدف التحقيق والتوثيق في هذه الحالات، للأسف، ليست هناك إمكانية تحقيق نوع من العدالة وأن نتعامل بشكل جيد مع هذه الحالات.

Tweet URL

أخبار الأمم المتحدة: في سوريا، وبعد أكثر من 13 سنة من الصراع ربما لن يكون وضع النساء أفضل. ما الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لمساعدة النساء السوريات؟

ليلى بكر: هناك ثلاثة أوضاع بالنسبة للوضع في سوريا. هناك الوضع تحت سيطرة الدولة السورية من دمشق، وهناك الوضع في شمال غرب سوريا، والوضع في شمال شرق سوريا الذي يتمتع ببعض الاستقرار. عندما نتحدث عن النساء والتعامل معهن لدينا إمكانيات أكثر، لأسباب مختلفة. صحيح أن ثلاثة عشر سنة مضت على الحرب وهذا نسف الشركاء وأرهق البنية التحتية والنظام الصحي بالتحديد وتسبب في التفتت الاجتماعي وكل هذا مدعاة للقلق فعلا ولكن نحن موجودون على الأرض في المناطق الثلاث سواء تلك التي تحت سيطرة الحكومة، أو في الشمال الغربي، أو الشمال الشرقي. ولا يزال لدينا شركاء من جميع الأطراف يتعاملون مع الصندوق داخل المجتمع السوري، وإمكانية وصول الخدمات ما زالت مستمرة. 

 القلق يكمن في زيادة الاحتياجات الإنسانية وعدد المحتاجين بسبب الإرهاق المادي والجسدي والإرهاق الذي أصاب البنية التحتية والنظام الصحي خلال ثلاثة عشر سنة من النزاع. تزايد الاحتياجات قلل من إمكانية الوصول لجميع المحتاجين. كلما استمرت الحرب زاد عدد المحتاجين وقلت إمكانية التعامل مع هذه الحالات. 

أخبار الأمم المتحدة: سواء في غزة أو السودان أو سوريا أو غيرها من مناطق النزاعات الأخرى في المنطقة العربية، كيف يمكن التعامل مع الآثار طويلة الأمد التي تخلفها الحروب على النساء؟ 

ليلى بكر: كل السكان المدنيين يدفعون الثمن باهظا بأشكال مختلفة. أما بالنسبة للنساء، دعني أقلب هذا السؤال وأسأل كيف يمكن للنساء والفتيات والشباب الشابات أن يكونوا عوامل إيجابية في حل النزاعات، لأنه عبر السنين ظلت مواقف الأطراف هي نفسها دون أن يكون هناك أي مجال للتحدث أو النقاش بهدف حل النزاع على أسس جديدة.

 يمكن للنساء أن يصبحن عاملا إيجابيا نسبة لطريقة تعاملهن ودبلوماسيتهن في الكلام. نحاول أن نشجع هذا الخط. دعني أعطيك مثالا، عندما نتعامل مع النساء ونركز على المراكز الآمنة للنساء والفتيات نتعامل مع المجتمع المحلي على عدم تقبل العنف المبني على النوع الاجتماعي. هذا يساعدنا على كيف نربي الفتيات والنساء على عدم تقبل العنف بشكل عام والتعامل مع المجتمع المحلي في التوعية وحل النزاعات بطريقة سلمية، نحاول أن نشجع هذا الخط. وإدخاله مع الخطوط التي تتفق مع الحل النهائي، وإن شاء الله نتمنى ونأمل أن يحدث حل سريع قريب للشعب السوري والفلسطيني والسوداني كي يتمكن الشعب – بما فيه النساء والفتيات - أن يعيش بأمن وسلام.